يبرقون مع كل ليل.. يخضبون ظلامه بسناهم.. يحملون مشاعل وشموع وينشدون أناشيد الحرية.ما عرفت مراكبهم الا بحر الشهادة فيمموا..وجدوا اﻷرض ظمأة جاؤوها رعداً في ليلة لا تنذر بالمطر..

وها هو المركب عاد ليرسو على ميناء الشهادة واسم محمد جوني"منتصر" شراعه..محمد..التحق بالركب..وفي ذكرى أسبوعه اﻷول أقيم له تأبين في مجمع المجتبى(ع) يليق بعظيم مقامه ..هو من امتشق سيقا وقلم..وترصع ببسمة وبأس..محمد سنبلة زرعت بذرتها أم حنون وتربت في ظل أب رؤوم فأتت أكلها كل حين..وكان الحصاد على بيادر الجهاد والشهادة.

منتصر في يوم تأبينه كان نصره علم وجهاد وكلمات صاغتها قلوب محبيه وأهله..ولأمه كلمة بحجم شهادته..كلمة استعادت فيها موقف زينب(ع) فوق جسد الحسين(ع)..واختصرت كل مفاهيم الجهاد والمقاومة..وفي كلام أمه كما أصدقائه محمد مدرسة مذ كان طفلاً تعلمه ويعلمها..رتلت في أذنيه حكاية كربلاء تشربتها روحه الصافية ..فترك وصية برائحة الطف نسجها بدمع "أم وهب" فكانت السلوان لوالدة لحظة بلغت نبأ شهادة فلذتها.

لمحمد حروف ووصايا نقلها في ذكراه أم..صديق..وكل من كان له شرف لقياه..علمنا أن العمر ليس أياما تمضي ولا أرقاما تحصى بل أثر يترك وبصمة تدمغ..علمنا أن نبتغي بما آتانا الله اﻵخرة ..أن الموت والحياة بالتوازي يسيران..علمنا محمد أن الله وحده أهل الثقة به الاستعانة وهو نعم الوكيل..ودروس منتصر حكم ستنقش قرب اسمه فهو آمن ان سمو الهدف ورفعة الطموح تستوجب جهدا عظيما وعملا دؤوبا..

محمد بلسان أصدقائه وأهله أدرك كنه الوصول وسر الوصال ..فجد وعمل ..قولب الحياة بقالب اﻵخرة فمزج بين اليوم والغد..وجاهد في كل ساح نادت سواعده..

ومن رحم التعبئة التربوية انعقدت نطفة شهادته ونمت في كنفها..فهو الجندي التعبوي المعروف بالنشاط وعلو الهمة..كالطير يتنقل بين أغصان مهمات تجذرت في تربة التكليف والولاء ؛وعلى كل غصن له عش بناه ليؤمن على جيل قادم ..

محمد اليوم وفي حفل أسبوع رحيلك اﻷول أكد المؤكد ..فأنت حي أبدا في قلوب من عرفك حيا نشيطاً ببسمتك وهمتك ومن لم يحالفه الحظ ولم يعرفك الا شهيدا بأثرك الراسخ ووصايك العميقة..منك وممن سبقك وممن يلتحق بك تستمد التعبئة التربوية كما المقاومة وقودا لمشكاتها المضاءة دوما..

أيها الشهداء يا مداد اﻷرض للسماء..يا همسة العشق على كتف الليل ..ومعراج الوصال. كالدم تسري كلماتكم في عروق الأمة تضخ فيها عزما وارادة ونصرا لا يعرف معنى الانكسار..

بقلم الأخت آية سبيتي