X
جديد الموقع
حزب الله يهنئ الشعب الفلسطيني على كسر قيود الاحتلال عن المسجد الأقصى المبارك
حزب الله: ما قام به أبناء عائلة الجبارين في القدس درس لأحرار الأمة..
الإمام الخامنئي: الجرائم بحق الشعب الايراني لن تزيده إلا كرهاً للادارة الأميركية وأذنابها بالمنطقة كالسعودية
بيان صادر عن حزب الله تعليقاً على اقتحام النظام البحراني لمنزل آية الله الشيخ عيسى قاسم
حزب الله يدين بأشد العبارات : الحكم ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم جريمة
السيد حسن نصر الله يهنئ الشيخ روحاني بإعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الاسلامية

قائدنا :: كلمة الإمام الخامنئي في مجموعة من النخب العلمية 18/10/2017

img

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، لا سيما بقية الله في الأرضين.

أرحب بكم أجمل ترحيب. كان لقاءً جميلًا ومحبّبًا، ولطالما كان هذا اللقاء كذلك بالنسبة لي. ومن وجهة نظري، فإنّ هذا اللقاء قد انتهى الآن، بمعنى أنني أخذت حصتي وانتفعت بسهمي من هذا اللقاء؛ أولًا التقيتكم، سمعت كلماتكم، وهذه الهمة والدافع والروحية التي يشاهدها المرء لحسن الحظ بين الشباب، شعرتُ بها عندكم، واستفدت من الكلمات التي ألقيتموها. لقد انتفعتُ منها حقًا. إذًا، أصبت أنا فائدتي وربحي من هذا اللقاء، والآن سوف أشير أيضًا إلى عدة أمور.

لا أنسى أن أذكر الأشخاص الذين لم يحضروا اجتماعنا هذا في هذا العام. عدد كبير من الإخوة والأخوات والأعزاء النخب، كان ينبغي بنحو طبيعي أن يكونوا حاضرين في اجتماعنا هذا، لكن ذلك لم يتهيّأ بسبب الأوضاع والظروف؛ إنني أرسل لهم السلام. 


في الحضور بين النخب.. شكرٌ لله وأملٌ بالمستقبل

إنني دائمًا حين أكون بين الشباب -خصوصًا الشباب النخبة- أشعر بالشكر بالدرجة الأولى؛ الشكر لله تعالى: «ما بِكم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللّه» (2). إنكم نِعَمة الله علينا؛ أنتم تُعدّون عطايا إلهية للمخلصين للنظام الإسلامي. بالنسبة لنا -نحن الذين أمضينا عمرًا طويلًا– فأنتم تُعدّون بحق لطفًا إلهيًّا ونعمة إلهية. فالشكر لله. 

ثانيًا الأمل. إننا نهتم لمستقبل البلاد. نهتم للأفق الذي يتراءى أمام أنظارنا. عندما يراكم الإنسان ينبعث فيه الأمل بأن يتحقق المستقبل الذي نأمله ونرجوه إن شاء الله. الطاقات الإنسانية في بلادنا - كما قال السيد ستاري– هي طاقات منقطعة النظير في العالم. ونخبة البلاد هم جوهر هذه الطاقات وخيرتها وأبرز قطاعاتها؛ هؤلاء بوسعهم أن يُحيوا الشعور بالالتزام لدى أي إنسان. عندما يسير هؤلاء في الصراط المستقيم وتكون وجهتهم وجهة حسنة، فسوف يُحيون الشعور بالالتزام لدى كل الذين يعرفونهم ويرونهم؛ لذلك فأنا العبد مؤمنٌ بالنخب إيمانًا عميقًا راسخًا. بمعنى أنني أعتقد بكم أنتم النخبة. أملي ورجائي هو أن تسعى مؤسسة النخبة، والسيد ستاري نفسه الذي هو في الحكومة، وهو معاون رئيس الجمهورية، أرجو أن يجهد المسؤولون كلهم لأن يصبحوا مؤمنين بالنخبة بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ هذا أحد انتظاراتنا، أن يؤمنوا بالنخبة؛ أولًا، أن يؤمنوا بأن لدينا نخبة، وثانيًا، أن يؤمنوا بأن هذه النخبة قادرة على تغيير مصير البلاد بالنحو الذي يرضي الجميع ويكون قرة عين للجميع. بعض مسؤولينا يعانون من الغفلة في هذا المجال؛ يجب إخراجهم من غفلتهم هذه.

حسنٌ، أشير إلى جملة من النقاط حول قضية مؤسسة النخبة وقضايا النخبة وما إلى ذلك، وأشير إلى مسألة سياسية في ختام كلمتي.


العلم سلطانٌ واقتدار

النقطة أو الفكرة الأولى، هي أن التقدم العلمي يجعل البلد مقتدرًا. قرأ مقدم البرنامج العزيز (3) اليوم حديثًا يقول: «العلم سلطان». ومعنى السلطان هو الاقتدار، فالعلم هو اقتدار. وكل من يمتلك هذا السلطان «صَالَ». ومعنى صال أنه ستكون له اليد القوية الفاعلة. وكل من لم يمتلك هذا السلطان «صِيلَ عليه» (4). ومعنى صيل عليه، أي إن يدًا قوية سوف تسيطر عليه، أي إنه سيكون خاضعًا للآخرين. هذا هو العلم. وأنتم تشاهدون هذا اليوم، كيف استطاعت أمريكا والأوروبيون أن يسيطروا على كل العالم بسبب العلم الذي قاموا بتحصيله، أنتم تعلمون أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكثير من البلدان الأوروبية -وحتى البلدان الصغيرة منها- طوال سنين متمادية وبعضها لقرون من الزمن، استطاعت أن تحتل بلدانًا وتعبث بمقدراتها ووجودها وتقضي عليها. اكتسبوا تفوّقًا وتسلّطًا على الشعوب وسيطروا عليها بسبب العلم؛ لأنهم ساروا وراء العلم وطلبوه. أما نحن فغفلنا عن العلم ولذلك تأخرنا رغم كل أمجادنا التاريخية ومواهبنا المتألقة، إلّا أن الآخرين سبقوا. يجب علينا تعويض هذا التأخر. 

كان هناك عدد من المتغرّبين (المنبهرين بالغرب) يروّجون منذ مئة عام بأنكم إذا أردتم لبلادكم أن تتقدم وإذا أردتم لإيران أن تتقدم فيجب أن تعرّفوا[تقدّموا] أنفسكم في ظل الغرب وتحت جناحه -التغريب هو ذلك التعبير الذي طرحه المرحوم (جلال) آل أحمد وكتب عنه- كان هذا تفكيرا خاطئًا، بالطبع بعض الذين كانوا يُروّجون لهذه الفكرة كانوا يفعلون ذلك بدافع الخيانة، لكن بعضهم الآخر كان يقوم بذلك جهلًا وليس خيانةً. لا يزال اليوم أيضًا بعض أتباعهم -ويجب القول رواسبهم وبقاياهم- يروّجون لهذه الأفكار "أننا يجب أن نتقدم على هامش الغرب وتحت ظلاله". كلاّ، لقد عاشت البلاد خمسين عامًا خلال العهد البهلوي تابعةً للغرب؛ خمسين عامًا! كانت لمدة من الزمن في أواسط عهد رضا خان تابعةً لألمانيا، وبعد ذلك صارت تابعةً لأمريكا إلى النهاية، فأيّ تقدم حقّقته البلاد؟ ما الذي جنته البلاد سوى التعاسة والتخلف والقضاء على مواردها الأساسية؟ كلا، لا يمكن التقدم تحت ظلال الغرب. الذي يقول إنّ البلد يمكن أن يتقدم في ظل الغرب، فإنه خائنٌ للوطن إن كان يعلم ما الذي يقوله؛ أو قد يكون جاهلًا. 


يجب القضاء على التبعيّة.. بكلّ أشكالها

حسنًا، ما الذي ينبغي فعله إذًا؟ يجب أن نقضي على التبعية. والتبعية طبعًا قد تكون تبعية سياسية أو تبعية اقتصادية أو تبعية ثقافية -جميع أشكال التبعية- وأساسها هو التبعية السياسية. التبعيات السياسية بالدرجة الأولى، هي التي تستتبع باقي أنواع التبعية.

التبعية السياسية تؤدي طبعًا إلى التسلل ونفوذ الثقافة أيضًا، وإلى نفوذ الاقتصاد أيضًا، ويمكن أن تستتبع التبعية في كل القطاعات والجوانب بما في ذلك الجانب الأمني. وقد كانت هذه هي الحال خلال فترة الطاغوت (الحكم الشاهنشاهي). لقد كنا تابعين حتى في الجانب الأمني، وفي القطاع الاقتصادي من باب أولى، وكذا الحال بالنسبة للجانب الثقافي. وقد زالت التبعية السياسية بفضل الثورة. أما باقي أنواع التبعية فهي صعبة وشاقة وتحتاج إلى مساع وجهود. وهذا ليس كلامًا جديدًا أقوله اليوم. لقد قلتُ هذا في خطبة صلاة الجمعة في زمن رئاسة الجمهورية وهو أن تبعيتنا السياسية قد زالت ونجونا والحمد لله، لكننا لا نزال تابعين، نحن تابعون من الناحية الاقتصادية، وتابعون من الناحية الثقافية، ويجب أن نركز تفكيرنا ونخطط لمواجهة هذا الموضوع. فالتبعية تنتج التعاسة والبؤس.

أقول لكم إنه عندما ينظر الإنسان في المذكرات المتبقية عن أصدقاء (الشاه) محمد رضا بهلوي- لقد قرأت الكثير من هذه الكتب- يجد أن محمد رضا هذا الملك الطاغوتي نفسه يعتريه الغضب بشدة من الأمريكيين أحيانًا، ويكيل لهم السِّباب أحيانًا، ويشتمهم، طبعًا في الغرف الخاصة ومع أصدقائه المقربين! تمامًا كالذي صعد على سطح منزله وراح يشتم حارس تلك المدينة البعيدة! هكذا كان هو أيضًا. يذكرهم بسوء في الغرف الخاصة المغلقة. ولكن في الوقت نفسه إذا وجّه سفير بريطانيا أو سفير أمريكا رسالة أو تحدث بالهاتف وأمر بأمر ما فكان هذا مطيعًا منحنيًا ويده على صدره جاهزًا لتنفيذ ذلك الأمر. ولم تكن لديه حيلة أو مهرب، فقد كان مجبورًا. هذه هي التبعية. هذا ما يجب أن يزول.
حسنًا، لحسن الحظ زالت هذه التبعية من الناحية السياسية واستؤصلت بالكامل في بلادنا. ولكن، ينبغي أن تُبذل جهود كثيرة للقضاء عليها في المجالات الأخرى، والتقدم العلمي الذي يحصل على أيديكم هو واحدٌ من أهم العناصر الأساسية للخلاص من هذه التبعية. وإذًا، ينبغي أن لا يكون هناك أي مانع أو عقبة على طريق التقدم العلمي والتقني. الأجهزة الحكومية والأجهزة العامة والناشطون في القطاعات الثقافية المختلفة وما إلى ذلك يجب أن لا يوجدوا أي عقبات على طريق التقدم العلمي، وهناك- والحمد لله- إمكانات وطاقات عظيمة، وثمة نماذج منها شاهدتموها في هذه الجلسة، وقد شاهدتُ الكثير من هذه النماذج في مراحل مختلفة أو اطلعت عليها أو تلقيت تقارير عنها، أو التقيتهم مباشرة، وأشعر أن الإمكانات والطاقات كبيرة جدًا ونستطيع أن نتقدم. هذه هي النقطة الأولى.

التقدّم العلمي رؤيةٌ ومنهج.. 

النقطة الثانية تتعلق بوضعية مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية. والحمد لله على أنها تقدمت وتطورت كثيرًا؛ حدثت خلال هذه الأعوام الكثير من الأمور حسّنت وضعية المعاونية العلمية وكذلك معاونية مؤسسة النخبة. لقد شهدت الشركات العلمية نقلة نوعية. في سنة ثلاث وتسعين [2014م] أكدتُ على دور وأهمية الشركات العلمية المحور في مثل هذا الاجتماع. ولحسن الحظ فإن الشركات العلمية المحور شهدت قفزة نوعية ونموًّا كبيرًا؛ حصلت استثمارات جيدة. تكوّنت هيئات علمية وخلايا علمية في الجامعات والحمد لله- وقد كان هذا الأمر موضع تأكيدنا أيضًا- وتصحّحت الاتجاهات الفكرية في إعداد النخب وتخريجهم. الكثير من الآراء التي طرحتموها هنا أيها الأصدقاء حاضرة في أذهان المسؤولين في مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية، وقد طرحوها عليّ. وثمة نهج ومسار مصحح ومستكمل من المقرر أن يحصل ويُتبع. هذا شيء موجود. ومع ذلك فأنا العبد غير قانع بهذا القدر! ليس الأمر بأني لست قانعًا، بل لا يمكن الاكتفاء بهذا القدر، فأمامنا طريق طويل والمسافة طويلة حتى نصل إلى الأهداف المنشودة. هذا شيء أؤكده على السيد الدكتور ستاري وعلى المسؤولين وعليكم أيضًا أيها النخب الأعزاء. في مجال التقدم العلمي يجب أن لا نكتفي بحركة في الجامعة الفلانية أو المركز العلمي الفلاني وما شاكل، إنما يجب إيجاد سياق ومضمار، يجب خلق تيار ومنهج. يجب إطلاق تيار في البلاد في خصوص العلم والتقدم العلمي. يجب أن يتحول هذا الأمر إلى تيار وسياق لا يمكن أن يتوقف. فلا يكون الأمر بحيث إذا جاءت هذه الحكومة وكان لها ذوقها الخاص فسيكون بوسعها التأثير على التقدم العلمي للبلاد فتخلق انتكاسة أو تراجعًا مثلًا. أو إذا جاء المسؤول الحكومي الفلاني وكانت له عقيدة مختلفة فيمكنه أن يسبب مثل هذا التراجع أو المراوحة. يجب أن لا تتمكن الأذواق والأساليب الإدارية من أن تؤثر في تقدم البلاد العلمي. وهذا سيحصل عندما يتحول التقدم العلمي إلى رؤية وتيار. 


فيما يتعلق بالشركات العلمية المحور ينبغي عدم التقليل من ضوابطها. دققوا في أن تكون ضوابط الشركات العلمية المحور ذات مستوى عال. فلا يكون الأمر بحيث نحاول زيادة العدد فقط. ويجب عدم خفض ميزانية العلم والتقنية، بل ينبغي زيادتها. طبعًا قال لي الأصدقاء إن "صندوق الإبداع" هذا يعاني من مشكلة، وسوف أوصي- إن شاء الله -وأؤكد على رفع هذه المشكلة، وطبعًا ينبغي إدارة المصادر المالية بشكل صحيح.

هناك نقطة أخرى حول المقالات العلمية، ولحسن الحظ فإن لدينا، من حيث عدد المقالات، نسبًا ومستويات مرتفعة، غير أن هذا لا يكفي، بل يجب القول إن هذا لا يحظى بأهمية كبيرة؛ المهم هو الجودة والنوعية العالية للمقالات. وكما سمعت ورفعوا لي من تقارير فإن وضعنا من الناحية النوعية ليس جيدًا جدًا. ينبغي رفع مستوى الجودة والنوعية، ويجب رفع مؤشرات الجودة. وينبغي بدلًا من زيادة عدد المقالات الاهتمام بارتباط هذه المقالات بشؤون البلاد واحتياجاتها. وهذا ما ذكره بعض طلبة الجامعات الأعزاء لي، وهذه هي عقيدتنا نحن أيضًا. ينبغي أن تصب المقالات العلمية والبحثية في خدمة حاجات البلاد ويجب تبيين هذه الحاجات للنخبة. وقد يكون الكثير من النخبة غير مطلعين ولا يعرفون حاجات البلاد كما هي في الواقع.

ونقطة أخرى في هذا المجال، تتعلق بقضية سبق أن نبّهت لها السيد ستاري، وعلى المعاونية العلمية ومؤسسة النخبة أن تهتم بعمل اللجان؛ أي ليكن هناك ما يشبه اللجنة وتستفيد من كل الأجهزة المتنوعة في البلاد التي يمكنها أن تمارس دورًا في مجال العلم والتقنية. ليستفيدوا من الوزارتين المعنيتين بشؤون التعليم العالي، ومن الجامعة الحرة (جامعة آزاد)، ومن الوزارات المتعلقة بالصناعة والنفط. فلدى هذه المؤسسات إمكانات كبيرة يمكنها أن تصب لمصلحة خدمة التقدم العلمي والتقني، ويمكن للمعاونية العلمية بالاعتماد على مكانتها الإدارية أن تقوم بهذه المهمة. كما ينبغي مطالبة النخب بالعمل. يجب أن تشعر النخبة بأن وجودها نافع، أي يجب أن تشعر أنها نافعة مفيدة. هذا هو ما يرضي النخبة ويفرحها ويثبّت أقدامها ويجعلها مستقرة في البلاد. يجب أن تفهم أنها مفيدة للبلاد ونافعة. يجب مطالبتهم بعمل، وهذا ما يمكن أن يتحقق بعمل اللجان الذي تحدثنا عنه.


لا لصناعة "المونتاج"!

ونقطة أخرى هي أننا يجب أن نفكر مليًا ونخطط للصناعة في البلاد. وقد لاحظت في الكلمات التي ألقاها الأعزاء أن جانبًا مهمًّا منها يتعلق بهذه المشكلة. صناعة البلاد تعاني من آفة "المونتاج" (التجميع) وهي آفة قديمة. عندما تكون الصناعة صناعة "مونتاج" وتجميع فلن يكون للإبداع معنىً وتأثير. وعندما لا يكون هناك إبداع فلن يكون هناك تحرك علمي وعمل علمي، وعندما لا يكون هناك عمل علمي فلن تتحقق حال التواصل بين الصناعة والجامعة التي نتكلم ونصرخ كل هذا الصراخ من أجل تحقّقها. إذا تواصلت الصناعة مع الجامعة فسوف تتقدم الجامعة وسوف تتقدم الصناعة على حد سواء. وهذا شيء واضح. وأنا طبعًا طرحت قضية الارتباط بين الصناعة والجامعة هذه على الحكومات منذ وقت طويل، إلى أن تشكلت هذه المعاونية العلمية أخيرًا نتيجة ضغوطنا وإصرارنا، والهدف منها هو تحقيق هذا التواصل والارتباط بين الصناعة والجامعة. لكن ارتباط الصناعة بالجامعة سيتحقق بالمعنى الواقعي للكلمة عندما تشعر الصناعة بالحاجة للجامعة. وفي عملية التجميع والمونتاج لا يوجد مثل هذا الشعور بالحاجة. يجب مطالبة الصناعات، كما قال أحد الأصدقاء الأعزاء، يجب الطلب من الصناعات. حسنًا، الطلب من الصناعة شيء وشعور الصناعة في البلاد بالحاجة شيء آخر. يجب أن يكون هناك شعور بالحاجة. وهذا يحصل عندما تعالج هذه المشكلة القديمة. يجب علاجها خلال فترة زمنية تمتد مثلًا لعشرة أعوام- ولا نريد الاستعجال كثيرًا- خلال عشرة أعوام يجب أن تتحول الرؤية "من التجميع والمونتاج إلى الإبداع والابتكار" في الصناعة، وينبغي أن تسود هذه النظرة والمنهج في البلاد.

النقطة التالية المتعلقة بالنخب ومؤسسة النخبة، هي إعطاء الاهتمام بالنشاطات الثقافية في مؤسسة النخبة؛ فهذه القضية بالغة الأهمية. يجب أن نتنبه ونلتفت إلى أن التقنية تجلب معها ثقافة معينة، التقنية حاملة ثقافة؛ وهذا ما لا يمكن تجاهله. عندما نأخذ التقنية من الآخرين نكون قد استوردنا في الحقيقة ثقافتهم أيضًا- صحيح أننا ننشد الاستقلال في التقنية، فهذا مما لا شك فيه ويجب أن يتحقق- لكن هذا الأمر بالتالي كالأواني المستطرقة (5)، وفي القضية تبادلٌ وأخذ وعطاء في كل الجوانب والمجالات. إذًا، ينبغي الاهتمام بقضية الثقافة. نحتاج في مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية إلى الاهتمام بقضية الثقافة، والقيام بعمل ثقافي صحيح وذكي.

ونقطة أخرى ولتكن الأخيرة في هذا الموضوع هي أن على النخب الأعزاء أن ينتبهوا لأنفسهم بأنفسهم. راقبوا أنفسكم. أشار أحد الأعزاء إلى أن هناك حربًا، وفي الحرب يجب أن نقدم شهداء وجرحى مضحين. صحيح ما يقوله، إنها حرب. فالأخطر من الاغتيال الجسدي هو الاغتيال الذهني والفكري. لقد اغتالوا علماءنا وقد شاهدتم ذلك وكيف اغتالوهم ، لكن الأسوأ والأكثر مرارة من ذلك هو أن يأسروا علماءنا. يجب أن لا يقع علماؤنا في الأسر. وهذا الشيء يقع بالدرجة الأولى على عاتق النخبة أنفسهم، وعلى النخبة أنفسهم أن يراقبوا أنفسهم ويرعوها. عنوان التقوى الذي تكرر لهذه الدرجة في القرآن الكريم منذ بدايته إلى آخره - «هدى للمتقين» (6) في أول القرآن، وإلى آخر القرآن ذُكر عنوان التقوى مرارًا وتكرارًا- هذا هو معنى التقوى، معنى التقوى مراقبة الذات وصيانتها والحفاظ عليها. هكذا هي التقوى في كل المجالات. فتابعوا ودققوا في هذه القضية.

كلّ التآمر والحظر بسبب اقتدارنا 

أما الجانب السياسي الذي قلنا إننا سوف نشير إلى نقطة فيه، إن التبعية السياسية كما ذُكر سابقًا هي أمر خطير. التبعية السياسية تؤدي إلى أن يكون الإنسان ذليلًا خانعًا. «صيل عليه» التي قيلت بخصوص العلم تحدث بشكلها الأصعب والأقسى في التبعية السياسية؛ الواقع أن «صيل عليه» بمعنى أن يصبح الإنسان ذليلًا خانعًا. الشعب التابع لغيره من الناحية السياسية يضطر للخضوع والرضى بالذل، وسوف يكون خانعًا. حسنًا، قلنا إن التقدم العلمي هو مضاد ومخالف لهذه التبعية. والآن أريد القول إنّ عدونا غاضب جدًّا لاقتدارنا وحركتنا، وهذه الدوافع التي تحملونها للتقدم العلمي وتطور البلاد. العدو غاضب بشدة؛ العدو مغتاظ. إن العدو يرصد وضع البلاد بدقة من بعيد وقريب كيفما يستطيع، وهو قلق جدًا من زيادة اقتدار البلاد. ومن الواضح جدًا بالنسبة لكل المراقبين الدوليين أنّ إيران اليوم تختلف عن إيران ما قبل أربعين سنة كالاختلاف بين السماء والأرض. كنا بلدًا وشعبًا في الدرجة "كذا" ومتخلّفين ومحكومين بأوامر هذا وذاك، وها نحن اليوم بلد مؤثر ذو نفوذ يسير على جادة الاقتدار، الاقتدار العلمي، والاقتدار السياسي، نحن سائرون على هذا الدرب، وهذا شيء ملموس تمامًا والعدو منزعج وغاضب لهذا. وبالطبع فإن العدو الأصلي الذي يتواجد ويظهر في الساحة أكثر من غيره ضد إيران والإيرانيين هو أمريكا والنظام الأمريكي، وليست القضية قضية الشعب الأمريكي بل القضية قضية النظام الأمريكي الحاكم. والسبب هو ما جرت الإشارة له، فقد كانوا لسنين طويلة أصحاب هذا البلد وتخضع كل مقدراته وشؤونه لسيطرتهم، فانتزعت الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية هذا الشيء من أيديهم، لذلك فهم غاضبون منذ اليوم الأول ومنزعجون، وقد فرضوا الحظر وتآمروا ووجّهوا كلامًا ثقيلًا، وهذه الحال ليست وليدة اليوم بل بدأوا بها منذ اليوم الأول، ولم تكن في ذلك الحين لا قضية الطاقة النووية، ولا قضية الصواريخ، ولا قضية النفوذ في منطقة غرب آسيا –التي يسمّونها هم الشرق الأوسط- لم تكن كل هذه الأمور، لكنهم بدأوا بافتعال المشاكل والعداوة، لذا فالسبب واضح: وهو خسارتهم للتسلط.

شعبُ إيران نموذج!

حسنًا، لقد استطعنا إقصاء الهيمنة الأمريكية، أي إننا قطعنا هيمنة أمريكا على هذا البلد بالكامل، الهيمنة السياسية والهيمنة الأمنية والهيمنة الاقتصادية، قطعناها. لقد قطعنا يد أمريكا.

بالإضافة إلى هذا فقد استطعنا أن نكون أقوياء مقتدرين على الرغم من عداوات أمريكا، وهذا شيء بالغ الأهمية، هذا شيء مهم جدًّا في العالم أن ترى الشعوب أن بإمكان شعب أن ينمو ويرشد ويتحرك من دون أن يكون في ظل القوى (الاستكبارية). بل ويستطيع أن ينمو ويتحرك ويقف على قدميه ويتقدم إلى الأمام على الرغم من خصومات هذه القوى. هذا ما دللنا عليه وأثبتناه عمليًا، وهو ما يغضبهم ويغيظهم.

لقد تحول شعب إيران إلى نموذج للبلدان والشعوب ليدل على أن بالمستطاع الوقوف مقابل هذه القوى وعدم الخوف منها والتقدم إلى الأمام رغم كل هذا. تعلمون أن كل هذا التقدم العسكري وهذه الصواريخ والأمور التي ينزعجون منها الآن كل هذا الانزعاج تحققت خلال فترة الحظر، تحققت كلها في فترة الحظر، أي إننا كنا في حالة حظر تام وحدث كل ما حدث في هذه الفترة، وهذا ما يثير دهشتهم وعجبهم وانزعاجهم. رفعوا لي تقريرًا قبل عدة سنين من الآن بأن جنرالًا إسرائيليًّا وصهيونيًا ،من هذا الكيان الصهيوني، كتب في مقال له بعد أن اختبرنا صاروخًا، من الصواريخ التي تم اختبارها، وقد كان هذا الشخص خبيرًا ويفهم هذه الأمور، وهم يستطيعون عن طريق الأقمار الصناعية وما شابه ذلك أن يفهموا ويقوّموا بشكل صحيح، قال إنني متحير حقًّا، كان مضمون كلامه: إنني أتعجب وأحتار حقًّا كيف استطاعت إيران القيام بهذا العمل، فأنا عدو لإيران لكنها تثير إعجابي لأنها استطاعت القيام بهذا الإنجاز. على الرغم من هذا الحظر الثقيل المفروض عليها استطاعت القيام بمثل هذا العمل. وهذا شيء يراه العدو على كل حال.

اعرفوا العدو واعرفوا أساليبه في العداء

أنا طبعًا لا أريد هدر الوقت في الردّ على أباطيل ولغو هذا الرئيس الدجال (7) البذيء اللسان (8). هذا شيء لا داعي له حقًّا. حسنًا، لقد تحدث المسؤولون في البلاد وردّوا عليه، وقد تحدثوا بطريقة جيدة وصحيحة. ولا أريد الرد. والواقع إن التعليق على كلامه هو هدر للوقت! لكنني أريد أن أقول لكم ولكل من سيسمع هذا الكلام: اعرفوا العدو، اعرفوا العدو. من الأخطار التي تهدد أي شعب أن لا يعرف عدوه، وأن لا يعتبر عدوه عدوًا، فيعتبره إما صديقًا أو محايدًا. هذا خطر كبير جدًا. هذا ركون إلى النوم. اعرفوا العدو واعرفوا أساليبه في العداء، دققوا كيف يمارس عداءه. يجب أن لا نصاب بالغفلة. إذا غفلنا فسوف نُنهب ويُغار علينا. إذا غفلنا سوف يهجمون ويغيرون علينا. لا نغفل. قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: «وَاللَّهِ لَا أكونُ كالضَّبُعِ تَنامُ عَلَى طولِ اللَّدم»‌ (9) لن أكون كذلك الحيوان الذي عادة ما يعزفون له لحنًا معينًا لكي ينام. يجب أن لا أنام، بل أبقى يقظًا وأدرك ما الذي يجري حولي. وهذا ما طلبه منا أيضًا، يجب أن لا ننام ولا نغفل.
وأقولها لكم طبعًا إن عدونا يعاني من تخلف ذهني؛ وسوف أفصّل القول قليلًا في هذا أكثر. ليس رئيسهم هذا فقط، بل جهازهم الحاكم أيضًا يعاني حقًا من تخلف ذهني. يريدون أن يعيدوا إيران الشابة المؤمنة الثورية النشطة إلى الوراء، إلى ما قبل خمسين سنة، هذا غير ممكن بالتالي، واضح أنه غير ممكن! بمعنى أنهم يريدون أن يفرضوا على هذا البلد حسب ظنهم نفس ذلك الوضع الذي فرضوه قبل خمسين سنة على هذا الشعب، أليس هذا تخل ذهنيا؟ يفكرون كما كانوا قبل خمسين سنة، ولا يستطيعون أن يدركوا ويفهموا ما الذي حدث هنا. لقد حدثت في هذه المنطقة أحداث مهمة، وأهمها بالطبع الثورة الإسلامية وظهور نظام الجمهورية الإسلامية، ولكن وقعت أيضًا أحداث مهمة أخرى حولنا، وهم عاجزون عن إدراك هذه الأحداث بشكل صحيح. ولأنهم لا يستطيعون إدراكها لذلك يُكتب لهم الفشل والهزيمة. لا ريب في أن الحسابات الخاطئة تؤدي إلى أن يخسروا ويُهزموا. في العراق كانت حساباتهم خاطئة فخسروا، وفي سوريا كانت حساباتهم خاطئة أيضًا فهُزموا، وكذلك الحال في المنطقة التي على الشرق منا -ولا أريد الآن الخوض في التفاصيل- كانت حساباتهم خاطئة فهُزموا لحد الآن. وكذا الحال بالنسبة لبلادنا. إنهم يمارسون العداء ضدنا منذ أربعين سنة، وكانوا يتلقون الضربات على أفواههم وينهزمون، لماذا؟ لأن حساباتهم خاطئة، ولأن إدراكهم للواقع خاطئ. ليس لهم إدراك صحيح.

أمريكا عاملة الصهيونيّة العالميّة

حسنًا، إن أمريكا -أي النظام الأمريكي، النظام السياسي الأمريكي- شيء شرير وسيّئ جدًا بالطبع؛ وكما قال عنها الإمام فهي الشيطان الأكبر، والحق أن أمريكا هي الشيطان الأكبر. أمريكا هي أصل انعدام الأمن في المنطقة. حالات الاضطراب وعدم الثبات هذه التي ترونها جذرها وسببها الأصلي أمريكا. أمريكا عاملة عميلة للصهيونية العالمية. ثمة في العالم شبكة خطيرة خبيثة اسمها الصهيونية العالمية، وأمريكا كادر عامل لدى هذه الشبكة. أمريكا عدوّة الشعوب المستقلة، وهي التي تقف وراء معظم الشرور وإشعال الحروب والمذابح في منطقتنا وفي الكثير من مناطق العالم الأخرى. أمريكا مثل "العلقة" (الدودة) تريد امتصاص كل ما تملكه الشعوب. هذه هي أمريكا، هذا هو النظام السياسي الأمريكي اليوم. أما هل كان الأشخاص الذين أوجدوا هذا النظام السياسي يعلمون أنه سوف ينتهي إلى هذه الوضعية أم لا؟ فهذا بحث آخر، المهم هو أن هذه هي أمريكا اليوم. هذا هو وضع الحكومة والنظام الأمريكي في السنين الأخيرة. أمريكا شريكة أصلية في جرائم الصهاينة، سواء في فلسطين أو في لبنان أو في سوريا أو في مناطق أخرى من العالم. أمريكا هي التي أوجدت "داعش" وهذا التيار التكفيري الناشط المسلح. هذا ما قاله هذا الشخص نفسه بصراحة خلال معركته الانتخابية. من انتقاداته واعتراضاته التي كان يسجلها على "الديمقراطيين" هو أنكم أنتم من أوجد داعش! اعترف هو نفسه! حسنًا، فهل تتوقعون أن لا تكون القوة التي استطاعت الوقوف بوجه "داعش" وصدتها مكروهة من قبلهم؟ لقد أوجدوا "داعش" لهدف معين. وترون الآن أنهم يلقون الخطابات ويعربدون ويصرخون ضد الحرس الثوري الذي استطاع مواجهة "داعش" وإيقافها، وهذا شيء طبيعي على كل حال. عندما تعرفون الطرف المقابل فسوف يبدو هذا الشيء طبيعيًا جدًا في أنظاركم.

حسنًا، إذًا فهم غاضبون منا. والسبب في غضبهم هو، أحد الأسباب تقصير أيديهم، والسبب الآخر هو أن الجمهورية الإسلامية استطاعت اليوم إفشال المخططات الأمريكية في "الشرق الأوسط"، أي في منطقة غرب آسيا هذه التي لديهم الكثير من الأطماع والمخططات فيها. استطاعت الجمهورية الإسلامية إفشال مخططاتهم في لبنان وفي سوريا وفي العراق. وكذا الحال بالنسبة لهزيمة الصهاينة على يد حزب الله لبنان، ولقد كانوا بالتالي وراء القضية، وقد قالت وزيرة خارجية أمريكا في حينها إن الشرق الأوسط في حال مخاض ولادة (10)، وقد تصوروا أن أمرًا كبيرًا سوف يحدث.

صفعةٌ جديدة لأمريكا.. كونوا متأكدين!

والآن أوصي الناشطين السياسيين والصحفيين والثقافيين ومسؤولي البلاد بعدة توصيات بمناسبة هذه القضايا الأخيرة وهذه الأعمال التي قاموا بها. أولًا ليتيقّن الجميع أن أمريكا سوف تتلقى هذه المرة أيضًا صفعة على فمها وسوف يفرض شعبُ إيران الثوري الهزيمة عليها. كونوا متأكدين من أن هذا ما سيحصل. وهذا ما كان في الأحداث والقضايا التي حصلت خلال العقود الأخيرة دائمًا حيث واجهوا الجمهورية الإسلامية وهُزموا. هذه نقطة.

وثانيًا؛ يستعرض الرئيس الأمريكي بلاهته، لكن، هذا يجب أن لا يؤدي إلى أن نغفل عن مكر العدو وحيله ومؤامراته. لا يصح افتراض العدو ضعيفًا ومسكينًا (11). حينما نقول إن فلانًا أبله مثلًا أو أحمق -وهو كلام يُقال وقد يكون صحيحًا- ينبغي أن لا يجعلنا هذا في الوقت نفسه نغفل عن كيد العدو. يجب أن يتحلى الجميع بالتدبير في كل الساحات، ينبغي على الجميع أن يكونوا يقظين واعين متواجدين في الساحة بكامل جهوزيتهم واستعدادهم. لن تحصل حرب عسكرية، لكن هناك أمورًا لا تقل أهميتها عن الحرب العسكرية. يجب أن نكون حذرين ونرى ما الذي يفعله العدو وما الذي يريد أن يفعله، ونتوقع ونستعد ذلك.

النقطة الثالثة هي أن العدو يعارض ويخالف اقتدار الجمهورية الإسلامية. العدو يعارض أي عامل أو رصيد من أرصدة اقتدار الجمهورية الإسلامية. ويجب علينا أن نسعى على الرغم من إرادة العدو لزيادة عوامل الاقتدار داخل الجمهورية الإسلامية. ومن هذه العوامل العلم الذي تعملون أنتم في سياقه وفي إطاره. العلم حقًا ساحة قتال وهو مبعث اقتدار البلاد. إنه قوة دفاعية، و قضية الصواريخ نفسها وهذه الأصوات والضجيج الذي يثيرونه، يجب أن تزداد هذه القوة الدفاعية يومًا بعد يوم، وهي تزداد طبعًا على الرغم من أنوف الأعداء، سوف تزداد هذه القوة وتتضاعف يومًا بعد يوم. وثالثًا هناك القدرة الاقتصادية، اهتموا للاقتدار الاقتصادي، والاقتدار الاقتصادي لا يحصل بالتبعية لهذا وذاك. لقد قلت منذ السابق وليس الآن، قلت مرارًا إنني أوافق على استثمار الأجانب في البلاد، لا أعارض هذا أبدًا، سواء كان المستثمرون غربيين أو أوربيين، ولكن يجب أن لا يكون اعتماد اقتصاد البلاد على ركن قد يتزعزع بعربدة شخص مثل" ترامب". يجب أن لا يكون الأمر كذلك. ذلك الركن الذي يجب الاعتماد عليه في اقتصاد البلاد يجب أن يكون في داخل البلاد، أي إن اقتصادنا ينبغي أن يكون متدفقًا داخليًا، وهذا هو "الاقتصاد المقاوم" الذي أعلنتْ سياساته ويجب متابعته. إذًا، هذه أيضًا نقطة وهي أن يُصار إلى تعزيز كل عوامل وعناصر الاقتدار في الداخل، القوة الدفاعية، والقوة الإقليمية وما شاكل.

رابعًا، ينبغي عدم الاهتمام بكلام العدو وإشاراته. إنه يوحي بأشياء ويبثها. في قضية الاتفاق النووي "برجام" يوحي أننا إذا اتفقنا ستزول حالة العداء وإذا لم نتفق فسوف يعادوننا، حسنٌ، ها قد قمنا باتفاق لكن حالات العداء ليس أنها لم تزل وحسب بل ازدادت. لقد كانت هذه إيحاءات العدو أننا إذا لم نتفق أو إذا تأخرنا فسوف يحصل كذا وكذا. وهم يطرحون اليوم أمورًا أخرى بأننا إذا لم نتفق بخصوص القضية الفلانية ـ على سبيل المثال إذا لم نتفق بخصوص حضور البلد في المنطقة الفلانية ـ فقد يحدث كذا وكذا، كلا، هذه إيحاءات العدو. يجب أن نقيس مصلحتنا بأنفسنا، ونجدها بأنفسنا، ونفهم بأنفسنا ما هي مصلحتنا، ولا نسمعها من العدو.

خامسًا، حين نشدد على قدراتنا الدفاعية فهذا ناجم عن تجاربنا، إن لنا تجاربنا. ذات يوم كانت هذه البلاد -طهران هذه نفسها التي تسيرون فيها بكل أمن وبكلّ راحة بال والحمد لله- تحت رحمة صواريخ "صدام". وربما لم يكن الكثيرون منكم قد ولدوا في ذلك الحين. لم تكن لدينا أي وسيلة دفاعية، بينما كان الجميع يساعدون "صدّام". كانت أمريكا تساعد "صدّام" من خلال هذه الصواريخ ومن خلال هذه الأدوات الدفاعية وحتى في خرائط ساحة الحرب. كانت تساعده بأقمارها الصناعية وغير ذلك. وكانت فرنسا أيضًا تساعده، كانت فرنسا تمنحه الصواريخ والطائرات. وألمانيا أيضًا كانت تساعده وتعطيه موادَّ كيميائية. وتعلمون أن جيش صدام استخدم المواد الكيميائية في حالات كثيرة. ولدينا الكثير من الجرحى والمعوقين بالأسلحة الكيميائية، وقد استشهد الكثير منهم. كانت ألمانيا هي التي تعطيه المواد الكيميائية. كانت ألمانيا تزوّده بالمواد الكيميائية ليصنع منها قنابل كيميائية. وربما منحوه في بعض الأحيان القنابل الكيميائية مباشرة. ساعده الجميع، وكانت أيدينا فارغة ولم تتوافر لدينا الوسائل اللازمة. لذلك فكرنا في ضرورة أن نصنع وسائلنا الدفاعية، وبدأنا، وقد بدأنا في الواقع من الصفر. لو رويت لكم وصورت لكم -ولم يبق متسع من الوقت للأسف- ما الشيء الذي أطلقناه لأول مرة وكان مداه حوالي عشرين كيلومترًا لضحكتم ربما! كانوا قد صنعوا شيئًا يشبه الميزاب لنستطيع إطلاق قذائف الـ «آر. بي. جي» من هذا الشيء الذي يشبه الميزاب بشكل من الأشكال، ليصل إلى حوالي خمسة عشر كيلومترًا أو عشرين كيلومترًا. هكذا بدأنا. ثم استطعنا زيادة القدرات. وعندما ازدادت قدراتنا وشاهد العدو أننا نستطيع الرد بالمثل توقف. هذه هي تجربتنا. إذا لم نزد من قدراتنا الدفاعية فسوف يتجرأ الأعداء ويزدادون وقاحة ويتشجعون على مهاجمتنا. يجب أن تكون قدراتنا الدفاعية بحيث لا يتشجع العدو على المبادرة وارتكاب أخطاء وحماقات.

سادسًا؛ الحكومات الأوروبية تشدد على الاتفاق النووي. لقد قال إنه سيمزق هذا الاتفاق ويفعل كذا وكذا -كان قد قال بعض الترهات- فأدانوه وقالوا: لا، يجب أن لا تمزقه وما إلى ذلك. جيد جدًا، جيد، أي إننا نرحّب بهذا القدر وهو جيد، غير أن هذا لا يكفي بأن يقولوا فقط لا تمزق الاتفاق! إن هذا الاتفاق لمصلحتهم، لمصلحة الأوروبيّين ولمصلحة أمريكا أيضًا، ومن الطبيعي أن لا يريدوا تمزيقه. ونحن بدورنا قلنا إنه ما لم يُمزقه الطرف الآخر فلن نمزقه، لكنه إذا مزقه فإننا سوف نمزقه، نفتّته تفتيتًا (12)، وسبق أن قلتُ شيئًا آخر (13). حسنٌ، إذًا هذا المقدار جيد، لكنه لا يكفي.

أولًا يجب على الأوروبيّين أن يقفوا بوجه الخطوات العملية لأمريكا. حتى ولو لم تمزق أمريكا المعاهدة لكنها نقضتها -هذه الحالات من الحظر مثلًا أو هذه الأعمال التي يتوقعون الآن أن تخرج عن "كونغرسهم"- فيجب على الأوروبيّين أن يقفوا بوجه ذلك، فرنسا وألمانيا، ولا يمكن توقّع الكثير من بريطانيا! (14). يجب أن يقفوا بوجه مثل هذه الممارسات ولا يكفي أن يقولوا إنّنا نعارض ذلك.

ثانيًا، يجب أن يتجنّبوا التدخل في قضايانا الأساسية -مثل القدرات الدفاعية وما شاكل- وأن لا يتناغموا مع أمريكا. أن تأتي الحكومات الأوروبية وتطلق الكلام نفسه الذي تطلقه أمريكا من قبيل لماذا تتواجد إيران في المنطقة -ولماذا لا يكون لإيران تواجدها؟ لها تواجدها على الرغم من أنوفكم وإن عميت عيونكم !- أو عندما تُشكِل أمريكا: لماذا لديكم صواريخ يصل مداها إلى ألفي كيلومتر أو ثلاثة آلاف كيلومتر مثلًا، أن يأتي هؤلاء ويكرروا الكلام نفسه، فهذا لا معنى له! وما شأنكم أنتم؟ أنتم أنفسكم لماذا لديكم صواريخ؟ لماذا لديكم صواريخ نووية؟ لماذا لديكم أسلحة نووية؟ أن يريدوا التدخل والكلام في القدرة الدفاعية للجمهورية الإسلامية، كلا، هذا أيضًا لا نقبله أبدًا من الأوروبيين، ويجب أن لا يتناغموا ولا يضموا صوتهم لصوت أمريكا في كلامها التسلطي الذي تطلقه، وفي أي حماقة تصدر عنها. كانت هذه النقطة السادسة.

تفعيل الإنتاج الداخلي ومنع الاستيراد؛ أولويات الاقتصاد المقاوم

سابعًا، على المسؤولين الاقتصاديّين أن يحملوا قضية الاقتصاد المقاوم على محمل الجدّ. ومن أولويات الاقتصاد المقاوم الإنتاج الداخلي، ومنع الاستيراد، والحيلولة دون تهريب البضائع. هذه السنة سنة فُرص العمل. ونحن الآن في النصف الثاني من شهر "مهر"(15)، أي إن أكثر من نصف السنة قد انقضى. ويجب زيادة النشاطات في مجال فرص العمل والإنتاج الداخلي الوطني، يجب مضاعفة العمل وتلافي حالات التأخر. في فترة ما كنا مشغولين بقضايا الانتخابات والكلام الانتخابي وما شاكل، ومضى الوقت، ويجب عليهم التعويض لنستطيع الوصول إلى مكان ما في هذا المضمار. قلتُ إننا نرحب بالمستثمر الأجنبي لكننا لا نعقد آمال قلوبنا على عمل المستثمر الأجنبي لأنه لا يمكن الوثوق به. يأتي المستثمر الخارجي اليوم، وغدًا يخلق لنا مشكلة بسبب حادثة ما. ليأتِ المستثمرون الأجانب وليستثمروا، ولكن اعتماد اقتصاد البلاد يجب أن يكون على القدرة الداخلية. والإمكانيات الداخلية ليست بقليلة بل هي كثيرة، والأعمال التمهيدية الأولى التي يجب أن تتم هي أعمالٌ واضحة وجيدة، وقد أشار لها الدكتور السيد ستاري. وهذا المنطق منطق صحيح أن اقتصادنا اقتصاد نفطي أي إنه اقتصاد مصادري ـ بمعنى أن عليك أن تبيع رؤوس أموالك باستمرار وتأكل منها، إنها رؤوس أموال بالتالي ـ وهذا شيء يجب أن يتغير، ويجب أن يقوم الاقتصاد على أساس القيمة المضافة. بل حتى بعض الأحجار الثمينة التي نمتلكها -الأحجار الثمينة التي يمتلكها البلد وتنفع في مجال البناء- يُصدَّر الكثير منها إلى الخارج من دون جهوزية ومعالجة وبطريقة بدائية، وهذا شيء عجيب جدًا، وبعض وزرائنا قصّروا حقًّا في هذه المجالات. حسنٌ، كانت هذه نقاطًا حول القضايا السياسية.

اجعلوا نياتكم نيات الشعور بالواجب.. والله المستعان

والنقطة الأخيرة أخاطبكم بها أيها الشباب الأعزاء وقد سجلتها هنا. اغتنموا الفرصة. ثمة اليوم فرصة متاحة لكم لتصنعوا مستقبل بلادكم. زمانكم يختلف عن زمن شبابنا. لقد كان زمن شبابنا زمنًا صعبًا عديم الأمن. في مثل أعماركم كنا إما في السجن أو تحت الضغوط أو تحت التعذيب أو في المنفى. ثم عندما انتصرت الثورة -في السنين الأولى من الثورة- كان العمل والجهد متواصلًا ليل نهار، ولم تكن هناك فرصة للاستراحة، كان العمل متواصلًا. وبعد سنة أو سنتين صرتُ رئيسًا للجمهورية، وبعض الذين كانوا معنا لم يصيروا رؤساء جمهورية وكانوا عاكفين على العمل. وأنا الذي صرتُ رئيسًا للجمهورية كنتُ أعمل وأجدّ بطريقة أخرى. أي إننا تحملنا المشاق حقًا في الفترة التي كنا فيها بمثل أعماركم وما بعد ذلك بقليل. أما أنتم فلا، أنتم تعيشون الأمن والهدوء والاستقرار وتتوفر لكم فرصة علمية، ولكم قدراتكم، ويجري تشجيعكم وتكريمكم. فاعرفوا قدر هذا الشيء واستفيدوا من هذه الفرصة. جوهرة الشباب الثمينة متاحة لكم، وهذه هي الجوهرة الثمينة التي سيسألنا الله تعالى عنها يوم القيامة: كيف قضيتم شبابكم؟ من الأمور التي نُسأل عنها هي: كيف قضيتم شبابكم؟ ويجب أن نجيب، فلا تنسوا الواجب الإلهي والواجب الوجداني، وابذلوا مساعيكم ما استطعتم، وستكون مساعيكم هذه مفيدة، أي إن بمستطاعكم إذا كانت مسيرة البلاد خاطئة أن تعيدوها إلى الطريق الصحيح. في المواطن التي فيها إشكال يمكن أن تعيدوها إلى الطريق الصحيح. ولحسن الحظ فإن الاتجاه الذي يسير عليه البلد اتجاه صحيح، وطبعًا توجد إشكالات ونواقص كثيرة هنا وهناك، لكن الاتجاه اتجاه صحيح، لذلك تستطيعون رفع الإشكالات، تستطيعون المساعدة لكي لا يتغير الاتجاه الصحيح ولا يصاب بالانحراف. هذا شيء تستطيعون أنتم الشباب -الشباب العلماء- أن تقوموا به. فاغتنموا هذه الفرصة واعلموا أن الله تعالى سوف يعينكم إن شاء الله «وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِينَّهُم سُبُلَنا» (16). عندما تجاهدون في سبيل الله فإن الله تعالى نفسه سوف يهديكم للاتجاه الصحيح. «وَمَن يؤمِن بِاللّهِ يهدِ قَلبَه» (17) الله يهدي قلوبكم نحو الشيء الذي يجب أن تقوموا به. اجعلوا نياتكم نيّات الشعور بالواجب، وأداء الواجب واجعلوها نيات إلهية، وسوف يعينكم الله إن شاء الله، وأنا واثق من أنكم بعد عشرات السنين عندما تصبحون الكل بالكل في البلاد إن شاء الله ستكون لكم إيران أفضل بكثير وأكثر تقدمًا ونظامًا وترتيبًا من الحاضر، وسوف تديرونها إن شاء الله.

والسلام‌ ‌عليكم ‌ورحمة اللّه ‌وبركاته.

1 ـ في بداية هذا اللقاء الذي أقيم بمناسبة ملتقى «نخبة الغد» الوطني الحادي عشر، تحدث الدكتور سورنا ستاري المعاون العلمي والتقني لرئيس الجمهورية ورئيس المؤسسة الوطنية للنخبة، كما ألقى خمسة من الحاضرين كلماتهم.
2 ـ سورة النحل، شطر من الآية 53.
3 ـ السيد عيسى زارع پور.
4 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج 20 ، ص 319.
5- نظرية الأواني المستطرقة: نظرية فيزيائية تنص على امتلاء عدة أوانٍ ذات أحجام مختلفة متصلة مع بعضها البعض بسائل ما بنفس المستوى والمنسوب بغض النظر عن حجم وشكل هذه الأواني، وعند إضافة كمية ما لأحد هذه الأواني فإن مستوى السائل في جميع الأواني يزداد بنفس المقدار.
6- سورة البقرة، شطر من الآية 2.
7 ـ إشارة إلى كلمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ 13/10/2017 م.
8 ـ ضحك الحضور.
9 ـ نهج البلاغة، الخطبة رقم 6.
10 ـ كوندليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا السابقة.
11 ـ سعدي الشيرازي، ديوان جلستان، الباب الأول، شطر من بيت شعري ترجمته: «أتدري ما الذي قاله زال لرستم، لا يصح افتراض العدو تافهًا مسكينًا».
12 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور.
13 ـ كلمته في لقائه بمسؤولي الدولة بتاريخ 14/06/2016 م.
14 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور.
15- شهر مهر: الشهر السابع من أشهر السنة الهجرية الشمسية يتوافق مع الفترة من 23 أيلول حتى 22 تشرين الأول من السنة الميلادية.
16 ـ سورة العنكبوت، شطر من الآية 69.
17 ـ سورة التغابن، شطر من الآية 11.

تعليقات الزوار


مواقيت الصلاة

بتوقيت بيروت

الفجر
5:35
الشروق
6:48
الظهر
12:22
العصر
15:30
المغرب
18:13
العشاء
19:04