X
جديد الموقع
حزب الله يهنئ الشعب الفلسطيني على كسر قيود الاحتلال عن المسجد الأقصى المبارك
حزب الله: ما قام به أبناء عائلة الجبارين في القدس درس لأحرار الأمة..
الإمام الخامنئي: الجرائم بحق الشعب الايراني لن تزيده إلا كرهاً للادارة الأميركية وأذنابها بالمنطقة كالسعودية
بيان صادر عن حزب الله تعليقاً على اقتحام النظام البحراني لمنزل آية الله الشيخ عيسى قاسم
حزب الله يدين بأشد العبارات : الحكم ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم جريمة
السيد حسن نصر الله يهنئ الشيخ روحاني بإعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الاسلامية

مختارات :: الصـداقة والوفـاء/الشيـخ مصطفى قصير

img

بسم الله الرحمن الرحيم

   مضامين القضايا التي ذكرت هنا متنوعة وإن كان بينها بعض المشتركات، فمنها ما يتمحور حول الاحتيال والخديعة، ومنها ما يتضمن التنكر للصداقة والصحبة، ومنها ما يتضمن خيانة للأمانة، ومنها ما يدور حول الإستغلال والنصب.

   ومهما يكن فالأمر الجامع بين هذه الحكايات والوقائع هو التنكر للأخوة والصداقة، إلا أنه ينبغي التوقف عند النقاط التالية:

   النقطة الأولى: من هو الصديق؟

   هل كل من نلتقيه ونتعرف عليه ونرافقه أو يرافقنا لفترة معينة يصبح صديقاً؟؟

   هل تتحقق الصداقة بمجرد الرفقة والإصطحاب أم أن لها مفهوماً لا ينطبق إلا على عدد محدود من الرفقاء والأصحاب؟

   لقد لاحظت أن البعض خلط بين عنوان الصاحب وعنوان الصديق، مع وجود اختلاف بينهما وإن اجتمعا في بعض الأحيان في شخص واحد، حيث أن الصاحب من تجمعنا به الأيام والمناسبات في سفر أو عمل مشترك أو مقاعد الدراسة أو ما شابه ذلك، أما الصديق فله مواصفات خاصة، ولا يطمأنّ لصداقته إلا بعد الاختبار والتمحيص.

   في الحديث الوارد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:

   " لا تسمِّ رجلاً صديقاً سمةً معروفةً حتى تختبره بثلاث فتنظر غضبه يخرجه من الحق إلى الباطل؟ وعند الدينار والدرهم، وحتى تسافر معه" [بحار الأنوار71/181 ] 

   فلا مانع من مصاحبة كل الناس ومجاملتهم وبناء علاقات وثيقة معهم، إلا أننا عندما نريد أن نتخذ صديقاً فنأمنه على سرنا وخصوصياتنا وأموالنا فلا بد أن نختبر أمانته ووفاءه وإخلاصه وصدقه، لكي لا نقع في الوهم والإغترار ولكي لا نتفاجأ بأمور غير متوقعة وتنكشف لنا الحقيقة بعد فوات الأوان، كما حصل في القصص المذكورة.

    في هذا المجال ورد عن علي(ع)  أنه قال:

   " لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث، في نكبته وغيبته ووفاته" [ بحار الأنوار 71/163]

 

 

   النقطة الثانية: التربية الاجتماعية

   هذه الوقائع التي تمثل عيّنة محدودة جداً مما يعانيه المجتمع من مشكلات تسلط الضوء على خلل في الجانب التربوي والأخلاقي، فعندما تتفشى ظاهرة الخيانة وتتلاشى مظاهر الوفاء، فلا بد أن يعود ذلك إلى جذور تربوية تمتد إلى أيام الطفولة الأولى.

 كيف نربي أبناءنا على الوفاء والأمانة والصدق؟ كيف نربيهم على القيم الاجتماعية، كيف نجعلهم يتحسسون المسؤولية عن حفظ حقوق الآخرين كما يحفظون حقوقهم بل أشد؟ وكيف نجعلهم يحبون لغيرهم ما يحبون لأنفسهم..؟

  المشكلة في غياب البرامج التربوية التي تعنى بزرع القيم، أو عدم فعاليتها، خاصة في زماننا الحاضر الذي تسيطر على عالمه النزعة المادية والاهتمام بالثروة حتى بات القارونيّون كثر، واللاهثون وراء الغنى بأي وسيلة وبأي أسلوب أكثر، وهؤلاء ينظرون إلى القيم والعلاقات والصداقات والمعاملات بميزان النفع المادي فحسب، فأنت صديق عزيز عليه إذا كان ينتفع من صداقتك، ولا محل لك في اهتماماته إذا أصبحت صداقتك عبئاً عليه أو ليست بذي نفع، فلا عجب عندئذ من تنامي ظاهرة التنكر للصداقة وانتشار الغدر والخيانة، ليس مع الأصدقاء فحسب بل حتى بين أقرب المقربين، بين الأخ وأخيه.

   ولكي لا نصف المشكلة ونمضي لا بد من إطلالة سريعة على وسائل التربية على القيم، فالوعظ والإرشاد قد ينجح في إكساب المعرفة، ولا أظن ان أحداً ممن يمارس الغدر والخيانة تنقصه المعرفة، فهو لا يمارس ذلك جهلاً بالمفهوم أو جهلاً بالقبح الذي يتصف به ذلك العمل، فنحن بحاجة إلى برامج للتربية على القيم الاجتماعية، هذه البرامج تكسب الأبناء مواقف إيجابية بحسب مصطلح علماء التربية، وتكسبه ملكة أخلاقية بحسب اصطلاح علماء الأخلاق، بحيث يصبح حريصاً على الصديق عندما يكون الصديق بحاجة إليه، وحريصاً على الوفاء عندما يكون الوفاء مكلفاً، وحريصاً على الأمانة عندما يكون في أمس الحاجة لما في يده، يصبح ذلك جزءاً من شخصيته ومن قناعاته الراسخة وسجاياه الأصلية.

 

 

   هذه النقطة تدفعنا للعودة إلى واقعنا الأسري، لأن الأسرة هي البيئة التي تتشكل فيها النواة الأولى لشخصية الطفل وأخلاقياته ومواقفه، وتأتي العوامل المؤثرة الأخرى لتسقي تلك البذرة وتنميها وتثمّرها، أو بالعكس.

   عندما يتربى الطفل في الأسرة بين أبوين يمتلكان أصالة القيم والأخلاق الاجتماعية يكتسب الطفل منهما -دون حاجة إلى درس وتوجيه وإرشاد- كل بذور الأصالة أو القيم التربوية. يكتسب منهما الصدق والوفاء والأمانة والحرص على حقوق الآخرين والتضحية والعطاء والاهتمام بالمال العام.. إلخ.

   لا أريد أن ألغي دور العوامل التربوية الأخرى التي تترك آثارها أيضاً على تشكل شخصية الطفل، لكنني أريد أن أسلط الضوء فقط على أهمية سلوك الأبوين وممارساتهما وأخلاقهما، ودور ذلك التأسيسي.

   يكفي أن يرى الطفل أحد أبويه (الذين يمثلون القدوة بالنسبة إليه) يخلف وعداً ليسقط هذه القيمة الفطرية، أو يتنكر لحقٍ، أو يتسامح في مال الغير، وأمثال ذلك.

   هذا يعني أن التربية بالقدوة من أكثر الوسائل تأثيراً، ولذلك بعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء واختارهم من أفضل أهل زمانهم ليكونوا قدوة لهم لتقترن الكلمة بصدق الموقف وصفاء النية وإخلاص العمل، فتقع الكلمة في القلب ولا تتلاش عند بوابة الأذُن.

   " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" [ الأحزاب/21].

   " قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه" [ الممتحنة/4]

   فعلى كل مربٍّ سواء كان أماً أو أباً أو معلماً أن يكون قدوةً وأسوة في سلوكه وتصرفاته وفي أخلاقه ومواقفه قبل أن يكون واعظاً ومرشداً وموجهاً.

   المناهج التربوية المدرسية، عليها أن تعنى بتطوير وسائلها لكي تتمكن من زرع القيم وترسيخها ومعالجة البلاءات التي كرستها ثقافة المادة والاستغلال والأنانية.

 

 

 

   النقطة الثالثة: دور المقاومة والعمل الجهادي في تأصيل القيم الاجتماعية.

   للوهلة الأولى قد يثير هذا العنوان استغراب البعض، إلا ان الواقع أثبت أن العمل الجهادي المقاوم والنابع من الشعور بالتكليف والمسؤولية الشرعية، يربي المجتمع كل المجتمع على التضحية وبذل الغالي والنفيس ابتداء من عطاء الدم وانتهاء بعطاء المال والموقف، وهذه من مظاهر الوفاء المكلِف، ومن يتدرّب على هذا المستوى من التضحية للأمة وللوطن وفي سبيل الله، تزول من نفسه آثار الأنانية، ومن يعيش الآخرة باستمرار والاستعداد للقاء الله في أي لحظة تصغر الدنيا في عينه، فلا يبقى لها قيمة ليغتر بها أو ينبهر بزخرفها، ومن يتعلق قلبه بالله عز وجل ويمتلئ بحبه لن يجد الشيطان منفذاً إليه، فهو في حصن حصين من سهامه.

   فالمقاومة عطاء، والعطاء ثقافة وأخلاق وقيم تاسيسية لكل ما عداها. هذا هو الذي جعل المقاومين نماذج متميّزة عن غيرهم من أبناء مجتمعهم، في عبادتهم وفي أخلاقهم وفي محبتهم للناس وحرصهم على الوطن، وفي تواضعهم وفي صدقهم ووفائهم.

 

العلامة الراحل الشيخ مصطفى قصير (رض)

مركز الأبحاث والدراسات التربوية

 

 

تعليقات الزوار


مواقيت الصلاة

بتوقيت بيروت

الفجر
5:36
الشروق
6:49
الظهر
12:22
العصر
15:29
المغرب
18:12
العشاء
19:03