مختارات :: التمريض بين عنف وهجرة

تظهر نتائج دراسة بحثية شملت 1783 ممرضاً في 69 مستشفى في مختلف المناطق اللبنانية أن 67.5 في المئة من المشاركين في الدراسة ينوون ترك عملهم الراهن في حال وجود فرصة عمل أخرى. وتنوي نسبة 37.5 في المئة مغادرة البلاد ونسبة 63.3 في المئة مغادرة المستشفى، ونسبة 30 في المئة ترك المهنة والانتقال إلى مهنة أخرى.

وتبيّن دراسة ثانية، من مجموعة الدراسات التي قام بها الدكتور فادي الجردلي وفريق من الباحثين من كلية العلوم الصحيّة في «الجامعة الأميركية» في بيروت وكليّة رفيق الحريري للتمريض في الجامعة عينها بين عامي 2007 و2012، أن واحداً من كلّ خمسة ممرّضين وممرّضات في لبنان ينوي الهجرة بعد مرور سنتين على تخرّجه. يحدّد 76 مدير مستشفى أسباب رغبة الممرّضين والممرضات في ترك عملهم: الرواتب المنخفضة، دوام العمل الطويل، زواج الممرضات وتركهن العمل بغية الاهتمام بالأطفال.

من جهة أخرى، تظهر دراسة بحثيّة أجريت في مناطق الشمال والبقاع والجنوب، وشملت 857 ممرضاً وممرضة، أن أكثر من تسعين في المئة من المشاركين في الدراسة يحملون شهادات تقنية غير جامعيّة من دون أن تمتلك نسبة خمسين في المئة منهم خمس سنوات خبرة. وتنوي نسبة 35.1 فقط البقاء في العمل في تلك المناطق، بينما تكشف نسبة 69.2 أنها لن تختار مهنة التمريض مجدداً في حال تسنّى لها البدء بالمسيرة المهنيّة من جديد.

تطرح تلك الأرقام والدراسات تساؤلات عدة عن مشاكل مهنة التمريض في لبنان وتحدياتها والحلول التي يجب العمل عليها وتعزيزها في سبيل مواجهة الواقع.
يبلغ عدد المنتسبين إلى «نقابة الممرّضات والممرّضين في لبنان»، وفق النقيبة هيلين سماحة نويهض، 10600 منهم 80 في المئة إناث و20 في المئة ذكور، إذ ما زالت مهنة التمريض في لبنان لا تستقطب الذكور كثيراً.

يشكّل الممرّض، خلافاً لما يظنه البعض، شبكة الأمان في النظام الصحّي، إذ يعمل الممرّض على تعزيز الصحة العامة، وتثقيف المجتمع، وتخفيف آلام المرضى وأوجاعهم، والتواصل مع العائلة، والكشف المبكر عن المخاطر الصحيّة والحدّ من مضاعفاتها. يلفت الجردلي إلى أن الممرّض يتابع المريض على مدار الساعة ويراقبه ويشكّل صلة الوصل بين الأطباء والمرضى والنظام الصحّي. تبيّن الدراسات العالميّة، وفق الجردلي، أن ارتفاع أعداد الممرضين وتعزيز كفاءتهم مرتبط بانخفاض أعداد وفيات الأمهات، والأخطاء الطبيّة وسلامة المرضى.

بيئة عمل غير سليمة

يواجه قطـاع التمــريض في لبــنان، وفق نويهض، مشاكل عدّة: قلة الوعي في المجتمع اللبناني في شأن دور الممرّض ومهماته، تجاهل إدارات المستشفيات لرأي الممرّض ودوره المهمّ في الرعاية الصحيّة، الرواتب المنخفضة وعدم وجود فرص للتطوّر الوظيفي والتخصّص في مجال معيّن، دوامات العمل الطويلة وبيئة العمل غير السليمة إذ يتعرّض الممرّضون والممرّضات إلى عنف لفظّي وجسديّ.
تظهر نتائج دراسة سابقة، قام بها البروفسور محمد علم الدين من «الجامعة الأميركيّة» أن نسبة 62 في المئة من المشاركين في الدراسة تتعرّض لإساءة لفظيّة، و10 في المئة إلى العنف الجسدي، ما يدّل على أن بيئة العمل في التمريض غير سليمة وغير مشجعة لعطاء مهنّي وإنسانيّ.
ينحصر عمل الممرضين في لبنان، وفق نويهض، في المستشفيات بينما يجب فتح المجالات امام الممرضين والممرضات للعمل في مراكز ومجالات أخرى مثل المدارس، مراكز الرعاية الأولية، رعاية كبار السنّ، العلاجات التلطيفيّة وغيرها.

ويلفت الجردلي إلى عدم قدرة الأماكن البعيدة على استقطاب ممرّضين وممرضات حاملين شهادات اختصــاص مع الإشــارة إلى وجود تفاوت في مستــوى تـعليم التمريض في لبــنان.

تــفاوت مستوى المعاهد والجامعات التي تدرّس التمريض، خصــوصاً فـي ظــلّ غــياب آليــات لمراقــبة جــودة التعليم في المعاهد التقنيّة وغيرها.

تقول نويهض إن جميع تلك المشاكل تؤثّر سلباً في مهنية الممرّض وعمله والخدمات الطبيّة التي يوفّرها للمريض، وتنعكس سلباً على جودة الخدمات الطبيّة في المستشفيات وفي النظام الصحي بشكل عام. يضيف الجردلي أن هجرة الكفاءات وعدم الاستثمار في قطاع التمريض يؤدّيان إلى نتائج سلبيّة في النظام الصحّي العام.

حقوق وكرامة

أطلقت «نقابة الممرّضات والممرّضين»، في أواخر نيسان الماضي، حملة تحت شعار «حماية حقوق الممرضين والممرّضات وصون كرامتهم» بغية تعزيز التواصل والثقة بين مختلف الجـهات المعنية، ونشر البحوث الجامعيّة ورفع الوعي الاجتماعي في شأن المشاكل التي يواجهها قطاع التمريض، وتعزيز دور الممرّض في المجتمع. وتشمل الحملة إقامة ورش عمل في جميع المناطق اللبنانية.
توصي نويهض بضرورة العمل على رفع رواتب الممرضين، وخفض ساعات العمل، وضبط جودة التعليم ومراقبتها في جمـيع المعــاهد والجامعات اللبنانية. تتابع لجنة من النقابة مستوى تعليم التمريض، بينما تهتمّ لجــنة أخــرى بمتابعة جودة العناية التمريضية في المستشفيات والمراكز الصحيّة.
تشكّل الدراسات والبحوث الجامعية، وفق الجردلي، أدلة وبراهين علميّة يمكن الاستناد إليها لبلورة خطة أو استراتيجية وطنية لمواجهة هجرة الممرّضين والممرّضات والتفاوت بين الكفاءات وسوء توزيعها بين المناطق. تهدف الاستراتيجية الوطنيّة إلى توحيد الرؤية بين مختلف المؤسسات المعنية (وزارتا الصحة العامة والتربية والتعليم العالي، نقابتا الأطباء والمستشفيات وغيرها) بغية تعزيز دور الممرض، واستقطابه والحدّ من الهجرة.

جريدة السفير/17أيار2013/ملاك مكي