تهدف الامتحانات العامة في أي بلد من البلدان إلى قياس وتقييم التحصيل التعليمي للأفراد، والذي تنظمه جهة عامة غير مدرسيّة بحيث يكون مفتوحاً للجميع ضمن الشروط الأكاديمية التي يحددها النظام التعليمي للبلد.
وبما أن موضوع الإمتحانات العامة واسع ومتشعب، وبما أن الهدف من هذا البحث القصير التطرق إلى الشق النظري للإمتحانات مع مقارنة لعدد من الأنظمة المعتمدة في بلدان مختلفة، سيقتصر البحث على تقديم خلفية تاريخية للامتحانات العامة في العالم والإطار التنظيمي لها في لبنان وفترات الغائها.
خلفية تاريخية
إن وجود الامتحانات العامة قديم العهد، هنا جولة تاريخية على خلفية هذه الامتحانات:
في الصين نشأ نظام الامتحانات الامبراطوري في القرن السادس الميلادي (Lu Zhen, 1988) وكان هدفه اختيار الموظفين لوظائف الخدمة العامة.
إلى أن إدخال الامتحانات العامة الى المدارس والجامعات بصيغتها الحالية تولاه اليسوعيون في القرن السادس عشر ميلادي في أوروبا (Medaus & Kellaghan, 1991)، حيث تطورت الامتحانات في أوروبا لتشمل أيضاً امتحانات تحريرية الى جانب الامتحانات الشفهية. ونشأ من جراء ذلك ثلاثة أنظمة للامتحانات في أوروبا وهي: النظام الألماني abitur والنظام الفرنسي baccalaureate والنظام البريطاني matriculation. وكان الهدف الرئيسي من هذه الامتحانات اختيار الطلاب للدخول إلى الجامعات وبالتالي للدخول في نظام الخدمة العامة أو المهن المختصة وذلك على أساس المؤهلات والقدرات وليس على أساس الانتماء الاجتماعي أو الاقتصادي.
وبحكم الإستعمار لبلادنا فقد انتقلت فقد هذه الأنظمة إلى الدول المستعمرة وكانت تجري من قبل سلطات الدولة المستعمرة عموماً بهدف اختيار الموظفين من السكان المحليين في الإدارة العامة.
ومع استقلال الدول في النصف الثاني من القرن العشرين بدأت السلطات بتعديل الأنظمة التربوية بما يتوافق مع التطلعات والحاجات الوطنية. وكانت الامتحانات عرضة لمثل هذه التعديلات وخصوصاً أنه كان ينظر لها على أنها من أهم الأدوات المتوفرة للدولة للتحكم في التعليم. غير أن هذه التعديلات لم تغيّر في منطلقات الأنظمة الأوروبية الثلاث إلا في ما ندر كما هو الحـال في الولايات المتحدة الأميركية.
الإطار التنظيمي للامتحانات العامة
المقصود بالإطار التنظيمي للامتحانات العامة هي البنية التنظيمية والإدارية لوضع وتعديل السياسات والأنظمة والإجراءات الخاصة بالامتحانات العامة وكذلك الجهاز التنفيذي المولج بوضع أوراق الأسئلة والإشراف والتصحيح وإدارة عمليات المراقبة والنتائج. ولا شك أن الإطار التنظيمي للامتحانات العامة يتأثر بالنظام السياسي والإداري المعتمد وكذلك بالأهداف المتوخاة من الامتحانات العامة ضمن النظام التربوي. وسنتناول التمايز بين الأنظمة المختلفة من خلال أبعاد ثلاثة: الخاص والعام، العلاقة مع أجهزة المناهج، وأخيراً درجة المركزية. ولهذا الغرض سنجري مقارنات بين عدة دول في مجال الإطار التنظيمي للامتحانات العامة.
تنفرد الولايات المتحدة في كون الامتحانات العامة تنظم وتجري من قبل مؤسسات خاصة (مثل Educational Testing Service (ETS). ففي الولايات المتحدة ليس هناك منهج وطني ولكن المناطق التربوية تعتمد من خلال المجالس المدرسية school board وعددها بالآلاف الكتب التي تريد وقد يكون لديها نوع من نظام امتحانات يقتصر هذا الاعتماد على المنطقة التربوية المعنية. أما في الدول الأخرى فأجهزة الامتحانات ترتبط بالدولة بشكل أو بآخر وبدرجات متفاوتة.
ففي كولومبيا تضطلع بإدارة الامتحانات مؤسسة الامتحانــات الوطنيــة (National Examination Service) والتي هي جزء من المعهد الكولومبي لتنمية التعليـم العالي والأخير تموله الدولة ويتبع إدارياً وزارة التربيـة (Luca, 1994). وقد أُنشئت مؤسسة الامتحانات الوطنية بالتعاون مع مؤسسة (ETS) في الولايات المتحدة. ويكلف عدد من المعلمين بإعداد أسئلة تختبر مسبقاً كما هي الحال في اختبارات الـETS.
وفي مصر، أنشئ (سنة 1990) المركز الوطني للامتحانات والتقييم التربوي (NCEEE) وهذا المركز يتمتع باستقلالية وبسلطة كبيرتين. فهو يتمتع بصفة استشارية بما يخص سياسات الامتحانات العامة ويشرف على الامتحانات العامة، وهو مستقل إدارياً ومالياً عن وزارة التربية ويرأسه مدير يعين بمرسوم من رئيس الجمهورية.
وفي فرنسا تشرف على امتحانات البكالوريا إدارات مناطقية ممولة من الدولة. أما في اليابان فلا يوجد امتحانات عامة إلا في نهاية المرحلة الثانوية (بديء بها في سنة 1990) وتنظم هذه الأخيرة وزارة التربية. والتركيز في اليابان هو على امتحانـات الدخـول الى المـدارس في المراحل كافةً وهـذه الامتحانـات تجـرى من قبـل المدارس.
وفي اسكتلندا يعتبر المكتب الاسكتلنـدي لدائرة التربيـة (Scottish Office Education Department (SOED) هو السلطة المعنية بالامتحانات وكذلك بالمناهج، بالتعاون مع مجالس أخرى. وما زالت الامتحانـات في نهايـة المرحلـة الثانوية في انكلترا تجري من قبل مؤسسة كامبردج للامتحانـات.
خلفية تاريخية لتطور الامتحانات الرسمية في لبنان
بدأت الامتحانات الرسمية في لبنان بإنشاء البكالوريا اللبنانية سنة 1929 (المرسوم رقم 4430). وبما أن لبنان كان تحت الانتداب الفرنسي فلقد كانت البكالوريا اللبنانية من حيث بنيتها ومحتواها مشابهة للبكالوريا الفرنسية ومقسمة مثلها الى قسمين:
البكالوريا – قسم أول والبكالوريا – قسم ثان. وبقيت التغييرات في أنظمة الامتحانات في حدود التغييرات الشكلية ما عدا القرار الذي جعل حيازة شهادة البكالوريا شرطاً للدخول الى التعليم العالي (قانون التعليم العالي، 1961).
وفي أواخر الستينات، حدثت بعض التغييرات في امتحانات شهادة البكالوريا اللبنانية لكي تتماشى مع التغييرات في المناهج وقد حدّد المرسوم رقم( 9101 تاريخ 8/1/1968) بعض مواصفات اختبارات البكالوريا كالمواد، ومدة المسابقة، عدد الأسئلة، المعدل (الوزن) لكل مسابقة. وحدث أمر مشابه بالنسبة الى امتحانات البريفيه (المرسوم رقم 14529، 1970).
كذلك أُلغيت في هذه الفترة الشهادة الإبتدائية.
في خلال الحرب اللبنانية بين سنتي 1975 و
1990 أُدخلت بعض التعديلات الاستثنائية على أنظمة الامتحانات. أما التغيير الرئيسي
فحدث سنة 1992 حيث أُلغيت امتحانات القسم الأول من البكالوريا اللبنانية واستعيض
عنها بامتحان تمهيدي في نهاية السنة الثانوية الثانية يشمل فقط اللغة العربية
وآدابها واللغة الأجنبية وآدابها (المرسوم رقم 2385 تاريخ 23/4/1992).
تم اعداد هذا الملف بالإستناد إلى ملف أعده موقع الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية وتقارير أخرى.
بتوقيت بيروت