بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذىً كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) ﴾ آل عمران
كان ذلك بعد هجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة. فقد وصل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى (قُبا) وأرسل من هناك إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يأمره فيها بأن يمضي إليه ومعه النّساء. خرج أمير المؤمنين عليه السّلام بعد أن أمر ضعفاء المسلمين بالخروج، ومعه الفواطم، وهنّ: فاطمة بنت محمّد (عليهما الصّلاة والسّلام) وأمّه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الزّبير بن عبد المطّلب، وفاطمة بنت حمزة، وتبعهم أيمن مولى رسول الله وأبو واقد اللّيثي. (أمالي الطّوسي 2/84، وعنه بحار الأنوار 19/64)
كانت مهمّة اللّيثي هي سوق النّياق بالنّساء، فراح يسير بهنّ على عجل خشيةً من أن يدركهم الأعداء. أشفق أمير المؤمنين عليه السّلام على النّساء لضعفهنّ، فقال للّيثي: " وارفق بالنّسوة يا أبا واقد، إنّهنّ من الضّعائف".
ثمّ أخذ يسوق النّوق بنفسه، برفق وهو ينشد كي يبعث لديهنّ الطّمأنينة والسّكينة:
وليس إلاّ الله فارفع ظنّكا يكفيك ربّ النّاس ما أهمّكا
مضى
الإمام عليه السّلام بالرّكب، حتّى اقترب من قرية تدعى: ضجنان، وهناك
تمكّن الأعداء من الوصول إليه بمجموعةٍ من الفرسان! كانت القوّة الّتي أرسلتها
قريش لإعادته بالفواطم إلى مكّة مؤلّفة من سبعة فوارس ملثّمين، ومعهم مولى لحرب بن
أميّة اسمه (جناح).
حين رأى الإمام عليّ عليه
السّلام الفرسان أمر أيمن وأبا واقد بأن ينيخا الإبل ويعقلاها، ثمّ أنزل
النّسوة عنها، وتقدّم بسيفه للقاء الفرسان. قال
أحد الفرسان للإمام عليّ عليه السّلام: أظننتَ يا غدّار أنّك ناجٍ
بالنّسوة؟ ارجع لا أبا لك!". فأجابه عليه السّلام: " فإن لم
أفعل؟".
فاغتاظوا منه وهبّوا لقتاله، وبدؤوا بإخافة النّوق، فمنعهم الإمام عليّ عليه السّلام، حينها توجّه جناحٌ بسيفه إلى الإمام عليّ عليه السّلام محاولاً النّيل منه، لكنّ الإمام عليه السّلام بادره بضربة على عاتقه قسمته نصفين، حتّى وصل السّيف إلى كتف فرسه! بحار الأنوار(19/65).
ثمّ انطلق الإمام عليّ عليه السّلام خلف الفرسان الباقين الّذين ولّوا بالفرار أمامه، فصاح أحدهم: " احبس نفسك عنّا يا بن أبي طالب.". فقال لهم: " فإنّي منطلق إلى أخي وابن عمّي رسول الله، فمن سرّهُ أن أفري لحمه وأريق دمه فليدنُ منّي. فهرب الفرسان لا يلوون على شيء! وأكمل الإمام عليّ عليه السّلام السّير بالفواطم حتّى وصلوا إلى قرية ضجنان الّتي أمضوا فيها ليلتهم يصلّون ويذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، إلى أن طلع الفجر وصلّى بهم الإمام عليّ عليه السّلام صلاة الفجر، ثمّ أكمل بهم الطّريق إلى المدينة. في تلك اللّيلة نزل الوحي على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم بالآيات
بسم الله الرّحمن الرّحيم
﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) آل عمران
ليبشّر الإمام عليّ عليه السّلام ومن معه بما أعدّه لهم الله تعالى من ثواب وأجر عظيم، أمّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فلم يقم في أيّ مكانٍ في انتظار وصول الإمام عليّ عليه السّلام، وقد دعاه النّاس ليقيم في منزلٍ ويتّخذ مسجداً، فقال: " لا.. إنّي أنتظر عليّاً بن أبي طالب، وقد أمرته أن يلحقني، ولست مستوطناً منزلاً حتّى يقدم عليٌّ، وما أسرعه إن شاء الله!". (روضة الكافي 339) ووصل الإمام عليّ عليه السّلام وقدماه متورّمتان داميتان، فبكى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم إشفاقاً عليه، ومسح عليهما فلم يشكُ الإمام عليه السلام منهما بعد ذلك أبداً. (بحار الأنوار 19/64).
بتوقيت بيروت