X
جديد الموقع
حزب الله يهنئ الشعب الفلسطيني على كسر قيود الاحتلال عن المسجد الأقصى المبارك
حزب الله: ما قام به أبناء عائلة الجبارين في القدس درس لأحرار الأمة..
الإمام الخامنئي: الجرائم بحق الشعب الايراني لن تزيده إلا كرهاً للادارة الأميركية وأذنابها بالمنطقة كالسعودية
بيان صادر عن حزب الله تعليقاً على اقتحام النظام البحراني لمنزل آية الله الشيخ عيسى قاسم
حزب الله يدين بأشد العبارات : الحكم ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم جريمة
السيد حسن نصر الله يهنئ الشيخ روحاني بإعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الاسلامية

مختارات :: عندما انضم إلينا المعلم «آلي»!

img

بقلم :  رحمة العتيبي   

 

 


( 1 )

في إطار حرص وزارة التربية والتعليم على تطوير التعليم وضمن نطاق مشروع التعليم الإلكتروني، وفي خطوة استباقية لكثير من دول العالم المتقدم، قامت بتطبيق تجربة رائدة، ألا وهي الاستعانة برجل آلي ليقوم بدور المعلم.

وفي حفل بهيج مهيب حضره مدير التعليم، وجمع كبير من رجال التربية والتعليم، واحتفت به الصحافة: قامت برفع الستار عن معلم المستقبل (المعلم آلي).

يرفع الستار، تصفيق حاد،

تبدأ الخطب المنبرية، مدير التعليم يلقي كلمة، مدير المشروع يلقي كلمة، ثم نشيد لمجموعة من الطلبة: يا معلمنا الجديد، نورت حفلنا البهيج.

ثم يعلن عن اسم المدرسة المحظوظة بتطبيق تجربة المعلم الآلي.

 يبدأ تطبيق المشروع،.يجتمع مدير المدرسة الأستاذ خلف بمعلمي المدرسة.

أقدم لكم زميلكم الجديد المعلم آلي الذي سيشارككم عملية التدريس في مدرستنا،.

يتقافز المعلمون حول مكتب المدير:

أنا أريد أن يساعدني في موادي،يرد عليه آخر: بل أنا يا أستاذ لدي أربع وعشرون حصة وآخر: بل أنا، أنا، أنا.

يصرخ فيهم الأستاذ خلف: كفى يا أساتذة؟ كل منكم يا أساتذة يفكر في نفسه ولم تفكروا في هذا المسكين، ولم تراعوا مشاعره.

أي شعور يا أستاذ خلف،هل تسخر منا؟ يرد أحد الأساتذة:الحقيقة يا أساتذة أنه لديه برنامج شعوري وإدراكي ووجداني، لذا فرجاء احترموا فكره وراعوا شعوره.

الأساتذة: حسنًا يا أستاذ! ولكن، نحن نطالب العدل والمساواة.

المدير: وعموما سنناقش أنا والوكيل هذا الموضوع، ثم نقرر كم سيعطى من نصاب الحصص.

وأردف المدير: ولا تفكروا أبدًا أن نعطيه 24 حصة!!

المعلمون بصوت واحد: يا سلام!

يكثر الهرج والمرج.

يتابع المدير: ولن يأخذ نشاطًا لا صفيًا ولن نعطيه مناوبة وحصص احتياط.

 المعلمون بصوت واحد:عجيب!!

لا بأس يا أستاذة نريد تعاونًا منكم،وكل هذا في سبيل أن تنجح التجربة الجديدة.

ينفض الاجتماع وسط تذمر المعلمين.

 

( 2 )

يجلس الأستاذ خلف ووكيله الأستاذ سمير ووكيل المشروع.

الأستاذ خلف: لمدير المشروع هل لنا أن نضيف بعض البرامج الجديدة.

مثل ماذا؟

- يعني، أشياء تتعلق بالبيئة المدرسية،لم تتضمنها برامجكم،أنتم أهل العلم ونحن أهل الخبرة في الميدان.

- مثلاً نريد برنامجًا يتعلق بمخالفات في سلوك الطلبة.

مدير المشروع: تفضل الآن هو مستعد لاستقبال أي برمجة جديدة.

الأستاذ خلف: يجب أن نشرح له بعض المعاني التي تتعلق بسلوك الطلاب مثلاً: ما هو الكذب يا أستاذ سمير!

الأستاذ سمير:أن يفعل الإنسان شيئًا ويقول شيئًا آخر، مثلاً، أن يضحك طالب أمامك ثم يقول لك لم أضحك أو يأكل شيئًا ثم يقول ليس في فمي شيء، أو أن يتحدث مع زميله ثم يقول لك لست أنا.

ما الغش؟

أن ينظر الطالب في ورقة زميله أثناء الاختبار، أو يحضر ورقة صغيرة معه مكتوب فيها، أو يكتب على ملابسه أو يديه،

ما معنى التطاول على المعلم؟

أن يرفع طالب صوته عليك أو.. أو.. يحاول ضربك أو.. يضربك.

وهنا يصرخ مدير المشروع: إذا فيها ضرب يا أساتذة يا كرام، فنحن نسحب المشروع من هذه المدرسة التي يقال إنها نموذجية.

الأستاذ خلف والأستاذ سمير: بصوت واحد مرتبك: لا..لا، نحن نضع مجرد افتراضات، افتراضات حتى يأخذ حذره  فقط ولنثري برنامجه.

يكفي يا أساتذة،آلي مليء بالبرامج المعقدة والمتقنة والدقيقة، فرجاء لا تشوشوا برامجه.

يبدأ المعلم آلي استلام مهام عمله الجديد، وبدأب شديد يؤدي عمله بإتقان.

يدخل إلى الفصل، يحي الطلبة ثم يبدأ بتنفيذ خطوات الدرس خطوة خطوة، بدقة شديدة ونظام دقيق، حتى ينهي الدرس، ثم يخرج من فصل إلى آخر، ويؤدي نفس المهمة بكل إتقان إلى نهاية اليوم الدراسي بنفس الخطة المرسومة دون خلل.

 

( 3 )

ذات يوم وفي أحد الفصول وعندما يستدير المعلم آلي ليكتب على السبورة، يقذفه أحد الطلبة بقطعة من الطباشير، تصيبه مباشرة، يضحك بقية الطلبة بهمس وجهر، يتوقف عن الكتابة، يستدير وينظر مباشرة إلى الطالب المشاغب.. أنت: قم.. قف.

طبعًا الطالب لم يعلم أن آلي مزود بكاميرات خلفية خفية. يتصنع الطالب الغباء: أنا،لست أنا. من فعلها؟

يصرخ فيه آلي: كاذب،كاذب،أنت كاذب.

يتجه مباشرة إلى الطالب الذي يتوقع شرًا من هذا الآلي،  لم يدر أنه مستَفَز بسرعة، يرتجف الطالب، يمسك به آلي من رقبته.. يرفعه عاليًا، يحاول الطالب الإفلات، وفي لحظات، ينهض بقية الطلبة صارخين..هجوم.. وفي جزء من الثانية، يشغل آلي برنامجي الكاراتيه والكونغ فو وينثر الطلبة يمينًا ويسارًا.. ويحيلهم إلى صرعى داخل الفصل.

في اليوم التالي تنشر الصحف الخبر وتتفنن في تشويقه وتسويقه.

أما الأستاذ خلف فيكاد يجن ولا يتصور أبدًا أن يسحب المشروع من مدرسته وألا يدخل التاريخ من أوسع أبوابه.

يجتمع أولياء الأمور أمام بوابة المدرسة لشكوى هذا المعلم الجديد الذي أحدث كل هذه الأضرار النفسية والجسدية بفلذات أكبادهم.

تحضر لجنة عاجلة من إدارة التربية والتعليم لحل الموضوع والتعهد لأولياء الأمور بعدم تكرار ما حدث، وأن ذلك ليس خطأ بشريًا حتى يحاسب عليه، بل خلل في البرمجة أحدثته تصرفات الطلاب، وأن كل شيء على ما يرام وأن الطالب كان ولا يزال وسيظل محور العملية التعليمية، وجوهر العناية والاهتمام، ثم ينتهي الاجتماع بالتراضي وحب (خشوم) أولياء الأمور والأحضان مع الابتسامات أمام عدسات مصوري الصحف.

يتنفس الأستاذ خلف الصعداء، لزوال هذه الكارثة، ويستدعي وكيل المدرسة ومدير المشروع.

يصرخ في مدير المشروع:كدت أن تتسبب بكارثة..لماذا لم يزل برنامج الكونغ فو والكاراتيه من الذاكرة ما حاجته إليه في المدرسة!

يرتبك مدير المشروع:  للأسف لقد كان مخزنًا على ذاكرة إضافية مع أننا أزلنا كل برامج الدفاع عن النفس.وسأضع برامج الاستسلام والمهادنة، وسأعمل على تفقد كل برامجه من جديد..معذرة.

 الأستاذ خلف: معذرة،معذرة،أين تصرف هذه؟

يرد مدير المشروع لو سمحت لا تتحدث معي بهذه الطريقة وإلا.

يثوب الأستاذ خلف إلى وعيه ويرسم ابتسامة عريضة على وجهه وهو يقول: معذرة ولكني حريص على المصلحة العامة ومصلحة الطلاب.

ينتهي الاجتماع.

 لم تعجب الطلاب فكرة الصلح ولم ترق لهم النهاية التي آل إليها الموضوع، قال أحدهم: (لاتصالح ولو منحوك الذهب) يصفق له بقية الطلبة، ويهتفون لا تصالح لا تصالح.

طبعًا الطالب غير مثقف لكنه سمع هذا البيت في مسلسل عربي.

يكمن له مجموعة من الطلاب خلف أحد أسوار المدرسة وقد أحضروا أدواتهم للانتقام، مطارق وعتلات حديدية ومفكات، وبمجرد خروجه يصرخ القائد.. هجوم، وينقض الجميع لافتراسه والتنكيل بالمعلم الحديدي الغبي.

ولكن ولحسن الحظ يلمح الأستاذ خلف المشهد من النافذة ويطلق نداء استغاثة،لكل المعلمين والإداريين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وينقل آلي إلى المستشفى، إلى مقر الشركة الرئيسي لإصلاح ما يمكن إصلاحه.

في المكتب وفي لحظة ما، ينخرط الأستاذ خلف في نوبة بكاء عميقة.

لا أدري لماذا يطارد الفشل كل مشروع أقوم به، هل كتب علي طوال حياتي أن أعيش حياتي مع الفاشلين والأغبياء.

يفتح الأستاذ سمير عينيه بدهشة ويلتفت حوله وينظر إلى مدير المشروع ثم، يتنحنح، يقول للأستاذ خلف: هون عليك، يومان ويخرج آلي من المستشفى،أقصد من الصيانة ويعود أفضل مما كان. أما أولياء أمور الطلاب فرفضوا قرار نقل أبنائهم من المدرسة وسيكتفون بقرار الفصل مدة يومين.

وعاد آلي واستمر المشروع رغم كل الصعوبات، وظل آلي يؤدي رسالته التربوية والتعليمية رغم كل المعوقات والمثبطات..إلى أن انتهى الفصل الدراسي الأول.

 

( 4 )

بعد انتهاء الفصل الدراسي الأول، التقرير الشامل للصيانة، يتلو مدير المشروع التقرير على المدير والوكيل:

ـ قام آلي بالوقوف مدة160 ساعة.

ـ تحدث آلي 160 ساعة بمعدل 15 حصة أسبوعيًا.

ـ قام آلي بتصحيح ما لا يقل عن 1000 ورقة اختبار.

ـ من ناحية الإدراك والشعور فقد كشف (معالج الإدراك) أن آلي مصاب بحالة إحباط شديدة واكتئاب وهذا أخطر ما في الموضوع.

ـ تراجعت الذاكرة وقدرات الذكاء الاصطناعي بنسبة 50 في المئة.

الأستاذ خلف ووكيله بصوت واحد: لا حول و لا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون .

استدرك مدير المشروع ناظرًا من فوق نظارته وهو يهز رأسه:

النتائج والتوصيات:

ــ يحتاج آلي إلى تغيير مفاصل في الركبة لأنها على وشك التآكل.

ــ يحتاج إلى تركيب سماعات صوتية جديدة وتغيير نظام السماعات.

ــ يحتاج آلي إلى تركيب برنامج التفاؤل (نسخة مطورة ومحدثة لم تنزل إلى الأسواق إلى الآن) لكن سنطلب نسخة حصرية من اليابان.

ــ يحتاج آلي إلى ذاكرة إضافية تلحق بالذاكرة القديمة لأنها اهترئت.

ــ يحتاج آلي إلى برنامج (مكافح الضغوط) حتى يستطيع مواصلة عمله.

ــ يحتاج إلى دورات تدريبية، من ثلاثة أشهر لم يتلق دورات، لقد تقادمت معلوماته.

الأستاذ خلف يلقي نظرة لائمة إلى وكيله سمير:

لماذا لم تلحقه بالبرنامج التدريبي يا أستاذ؟ ثلاثة أشهر، ثلاثة أشهر، لم يلتحق بأي دورة،أين نعيش نحن.. في العصر الحجري؟

لم يحر الأستاذ سمير جوابًا، بل اكتفى ببلع ريقه.

ينفض الاجتماع.

في غرفة المعلمين يجلس المعلم آلي وحيدًا، يحتسي الكابتشينو بالموكا.

مساءلات تدور بين المعلمين: الأستاذ آلي يبدو في وضع غير طبيعي.

 يحاول الأستاذ حمد أن يظهر تلطفًا مع هذا الزميل الجديد:  أستاذ آلي ماذا بك تبدو حزينًا؟

لم يرد آلي وواصل المعلم حمد كلامه: أستاذ آلي، المدير رائع، والمدرسة جميلة، والطلاب يحبونك.

يدير آلي رأسه وتحمر عيناه وهو ينظر إلى زميله و يقول: كاذب، كاذب.

ينفجر المعلمون بالضحك، على صديقهم الخلوق جدًا، الذي تلقى إهانة غير متوقعة.

 ينهض الأستاذ حمد محاولاً أن يثأر لكرامته الجريحة: أنا كاذب أيها الآلي الصدئ.

أنت الصدئ!

ويتقدم المعلم حمد بشكل هجومي من آلي نازعًا العقال من فوق رأسه وبدوره ينهض آلي ويشغل مباشرة برنامج الكونغ فو، أما بقية المعلمين فقد أسرعوا بالتسلل، من تحت الطاولات أو القفز من فوقها إلى خارج الغرفة وتركوا المعلم حمد يواجه مصيره المحتوم.

بعد انتهاء المعركة، يجتمع مدير المدرسة مع الأستاذ حمد يصرخ بأعلى صوته:

أنت يا أستاذ لا تعرف كيف تتعامل مع زملائك.هل هذا أسلوب تربوي؟ عمومًا لقد رفعت فيك تقريرًا وستأتي لجنة للتحقيق معك وتأديبك إذا لزم الأمر.

وقبل أن يكمل الأستاذ خلف كلامه تدخل لجنة التحقيق.

تجلس اللجنة، بسرعة البرق تفتح الدفاتر.

 يتكلم المشرف الأول: لماذا اعتديت على زميلك؟

الأستاذ حمد: هو....

 يقاطعه المشرف الآخر:

 هل هذا أسلوب تربوي يا أستاذ؟

الأستاذ حمد:أنا..

وقبل أن يكمل، يقاطعه الثالث: هل تعلم ما العقوبة المترتبة على فعلك؟

الأستاذ حمد: أصلاً..

وقبل أن يكمل، يقاطعه الأول، لقد تقرر نقلك من المدرسة.

الأستاذ حمد: ولكن.

انتهى يا أستاذ حمد تستطيع أن تتفضل الآن وسيصلك خطاب النقل واحمد الله على أنها ستقف عند هذا الحد..خذ ووقع على أقوالك.

تخرج اللجنة ويدخل المدير وهو يهنئ  الأستاذ حمد على هذه النتيجة المخففة.

 

( 5)

في غرفة المعلمين ينهمك آلي في كتابة شيء ما، ثم يقرأ بصوت عال: (آلي حزين آلي مكتئب..آلي لا يحب المدرسة، آلي يكره الطلبة..آلي لا يحب الحياة كلها..أريد أمي،أريد أبي.. ثم يدخل في نوبة هيستيرية من البكاء.

يستغرب المعلمون الباقون، يعلق أحدهم: ماشاء الله..حتى برنامج الحزن والبكاء ما نسيه مهندس المشروع.. فعلاً مهندس عبقري.

بقية المعلمين: سبحان الله.

 يمسح آلي دموعه بطرف غترته وفي هذه اللحظة يحضر المدير: أستاذنا العزيز آلي لم لم تذهب إلى حصتك،الطلبة يحتاجون إلى علمك وخبرتك.

وفي نفس اللحظة يلتفت الأستاذ خلف إلى أحد الفصول ليجد معلمًا يقف خارج الفصل يصرخ فيه بأعلى صوت: على حصتك يا أستاذ علي!

يشير الأستاذ علي إلى رأسه في حركة توحي بالدوار.

يواصل الأستاذ خلف صراخه: أستاذ سمير..اتخذ معه الإجراء المطلوب. هل أعلمك شغلك يا أستاذ سمير!

وفي نفس اللحظة يسقط الأستاذ علي مغمى عليه.

يواصل الأستاذ خلف حديثه مع آلي بكل رقة:أرجوك يا أستاذ آلي،أرجوك, قم إلى حصتك،وأعدك أنه لن يوجد من يضايقك والمدرسة كلها تحت أمرك.

يخرج المدير، ومباشرة يقوم آلي من على مكتبه متوجهًا إلى غرفة المدير، يرمي في وجهه ورقة ويخرج، وبمجرد أن  يقرأها يقفز من فوق مكتبه ويلحق بآلي وهو ينادي،يلتقط الأستاذ سمير الورقة ويقرؤها ثم يلحق بالمدير وآلي ركضًا..ثم يلتقط مدير المشروع الورقة ويلحق بالثلاثة..

 يدخل أحد المعلمين إلى الغرفة مستغربًا، يمسك بالورقة،يقرؤها، يضحك بصوت عال..ينادي زملاءه..

آخر الأخبار، يا شباب..لقد استقال آلي من التعليم.

 

مكتـب التـربية

تعليقات الزوار


مواقيت الصلاة

بتوقيت بيروت

الفجر
5:36
الشروق
6:49
الظهر
12:22
العصر
15:29
المغرب
18:12
العشاء
19:03