بينَ زحمةِ مَطالبِ اللّبنانيين يُطلُّ بينَ الفَينةِ والأُخرى مَطلبٌ باتَ عَدّادُ الأيامِ عاجِزاً عَن تِعدادِ ما مَضى عَليهِ مِن زَمن وعَن المَراتِ التي نَزل فيها اللبنانيونَ إلى الشَّارِعِ بُغيةَ التَّقدمِ في تَحقيقِه... إنَّها سِلسلةُ الرُّتَبِ والرَّواتِب.
بِالفِعل، إنَّها سِلسلةٌ يتعلق بعضها ببعضها الآخر، تَنتظِرُ إنجازَ غَيرِها أولاً لِتُنجَزَ هي ثانياً، كَأن يَكتَملَ نِصابُ جَلسةِ مَجلسِ الوزراءِ التي كانَت مُقرّرةً يَومَ الاثنين الماضي والتي كانَت مَعنيَّةً بِدرسِ مَشروعِ قانونِ المُوازنة -المغيبةِ مُنذُ اثنَي عَشرَ عاماً- التي تَتعلَّقُ بِها سِلسلةُ الرُّتبِ والرَّواتِب.
عدمُ اكتمالِ نِصابِ جَلسةِ الاثنين الوِزاريةِ وإلغاؤها إنَّما يُسمَّى بِشكلٍ أو بِآخَر مُماطلةً في إقرارِ السِّلسلةِ ويَدلُّ على استهتارٍ وعدمِ التزامٍ، ليس هو الأول، تجاهَ ملفٍّ لهُ من الأهميةِ ما يَضعُه في سُلَّمِ أولوياتِ الحكومة.
وعلى الرغم من أن العملَ بالسلسلةِ لَهُ ما لَهُ مِن وَقعٍ إيجابي يُؤدي إلى نُموٍّ اقتصادي ويَنعكِسُ إيجاباً أيضاً على جميعِ القِطاعات، وبالتالي على المُواطِنين. إلا أنَّ التَّسويفَ يودي بِما تبقى من أملٍ في حياةِ المُنتظِرينَ لإقرارِ السلسلة.
انتظارُ الموظفين مُنذُ أعوام، يَتركُ في نُفوسِهم حالاتٍ مِنَ الغَضبِ العارِم. غَضَبٌ طالما بانَ جلياً في صَرخاتِ النّقابيينَ مِن مُوظفي الإداراتِ العامةِ والأساتِذة. تلكَ الصَّرخاتُ التي تَملأُ الشوارعَ وتضجُّ بِها السَّاحاتُ حَيثُما حَطَّت المُظاهرات رِحالَها، على أبوابِ الوزارات المختلفة، للضَّغطِ مِن أجلِ عَدمِ التَّلاعُبِ بِمَصيرِهم.
خلفَ هذهِ المُطالَبات أساتِذَةٌ، عسكريون، مُوَظَّفون ومتعاقِدون وأُجَراء مِمَّن لا تَكُفُّ ألسِنَتُهم عَن الدُّعاء - وذلِكَ أَضعَفُ الإيمان - للوُصولِ إلى السِّلسلة التي باتَت قصةً يَروونَها لأبنائهم.
الأستاذ حَسَّان، البالغُ مِن العُمرِ سِتة وسِتينَ عاماً والذي تَقاعدَ منذ عامَين، يحكي تجربتَهُ بشيءٍ مِنَ الطّرفة، على قاعدةِ أّنَّ "شرَّ البليةِ ما يُضحِك". ويقول مبتسماً: "عملتُ في التعليمِ خمسة وثلاثين عاماً، حَفلَت نِصفُ هذه السَّنوات بضَجيجِ سلسلة الرتبِ ولم نرَ مِنها إلا القَليل عام 2008 وها أنا تقاعَدتُ ولَم تَمُرّ السِّلسلة بَعد، ولا نعرِفُ الآن ماذا سينتج عن جلسات الحكومة".
أما محمد، ابن العشرِ سنوات وابنُ أحدِ عَناصرِ الدَّرك، فيَشرحُ وفي عُيونِهِ بَريقُ أَمَل عَما سَتَؤولُ إلَيهِ أَحوالُهُ بَعدَ السلسلة، ويتحدثُ عن الوُعودِ التي أَغدَقَها عَليهِ والدُهُ "مُنذُ وَعيِه". يَقولُ الفَتى: "بابا واعدني بَس تِجي الزَّودة بَدو يعمل لي غُرفة نوم لَحالي وبدو يشتري لي بيسكلات بالصيفية".
محمد نموذجٌ من الأطفالِ، ممن نَسجوا في خَيالِهم مُخَططاً لِحياةِ ما بَعدَ السلسلة، وكأنَّها مّرحلةٌ مِفصليَةٌ مختلفةٌ عّمَا قّبلها، وما ذلك إلا نتيجة تكرارِ الحديثِ عَنها وتراكُمِ الوعودِ العالقةِ في أذهانِ أهلِهِم قَبلَ أذهانِهم.
نَموذجٌ آخر منَ الوعودِ في القالبِ ذاتِه، هو ما كانت تَعِدُه "أم زهير "(يعمل زوجها في إحدى الدوائر الرسمية) لابنها الذي صارَ أباً لِولدَينِ الآن. "أم زهير" المتجعدةُ الوَجهِ، تغطي وَجهَها بِكلتا يَديها ثُمَّ تُنزِلُهُما وتَستَهِلُّ حَديثَها: "كنت قول لَزهير بَدي جِبلَك وبدي جِبلَك، هَلق عَم اُوعد أولاد زهير!".
وَجعُ الأهالي يُفسّرهُ النَّاشطُ الحُقوقي والمدني الأستاذ حَسن بَزي، فالمواطنُ الفَقيرُ "يحتاجُ الى إقرارِ السِّلسلةِ التي تُضاعِفُ قُدرَتَهُ الشِّرائية في ظِلِّ حَدٍّ أدنى مِقدارهُ 450$ مع أنَّ ضَروريات الحَياة تُقدَّرُ لِلشخصِ الواحد بِمبلغِ 500$ على أقلِّ تَقدير".
وفي زاويةٍ مِن حديثِ السلسلة وعلى الرغمِ مِن طولِ انتظارِ المواطنين إلّا أنَّهم يَتحسَّسونَ جُيوبَهم الفارِغةَ أصلاً "لأنَّ ما سَيُعطَونَهُ سَيذهبُ إلى جُيوبِ السَّلطةِ مِن خِلالِ الرُّسومِ والضَّرائب" في حَال أُقرَّت الضَّرائبُ التي يَتَضمَّنها مَشروعُ الموازنةِ لِلعام 2017 والتي "سَتذهَب بِالسلسلةِ إلى نقطة الصفر" بحسب ما قاله بزي.
دَوامَة السلسلةِ إذاً سَتظلُّ تُدورُ بِالمواطِن بَينَ سِلسلةٍ مُكَبلةٍ بِالضَرائب وانتظارٍ باتَ هو نَفسُهُ يَنتظر نَتائجَ المُشاوراتِ على الموازنة. ففي عِزِّ الخِلافات السِّياسية عام 2014 اختلفَ أهلُ السُّلطةِ على كُلِّ شيء، ما خَلا إقرارِ سلسلة الرتبِ والرواتب، فهل سَتمرُ السلسلةُ وفي عِزِّ التَّوافُقِ السِّياسيّ، بِما يُرضي الموظف؟
أم البنين مصطفى/موقع العهد الإخباري
