التقرير التربوي اليومي :: التقرير التربوي اليومي 16-07-2016

جريدة المدن

كره طلاب المهنيات

الخجل الرسمي، الذي يرافق إعلان نتائج امتحانات التعليم المهني والتقني، لا يبدو قليل الدلالة. وهو، إذا قيس بما فعله وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب، اتساقاً مع الشائع عن استعراضيته، مع طلاب الامتحانات الرسمية المتوسطة والثانوية، المتفوقون منهم تحديداً، لا يفهم غير باعتباره تمييزاً. وهذا ما ليس مفاجئاً. ذلك أنه يندرج بما يشاع عن هؤلاء الذين يسلكون، لأسباب متعددة، مساراً تعليمياً رديفاً لا ينظر إليه بغير الإحتقار.

هكذا، لم يحضر الوزير نفسه عند إعلان النتائج، مكتفياً بالمدير العام. ولم تنقل التلفزيونات المؤتمر الصحافي، الذي عُقد بعد ظهر الخميس. ولم تنشر المواقع أسماء المتفوقين وأخبارهم، ولا تمّت دعوتهم  في الأصل إلى المؤتمر، ولا ذهبت إلى بيت أحدهم كاميرا لتسجل ردة الفعل. وحتى النتائج، التي نُشرت على موقع مخصص لهم، لم تتناقلها بكثافة المواقع الأخرى، كما حصل في تجارب سابقة، بحثاً عن "الترافك"، رغم أن عدد طلاب هذه الشهادات يصل إلى نحو 20 ألف طالب.

لكن الشائع يفسر كل شيء. فهؤلاء الطلاب، في انتقالهم من تعليم مُقّدر، لأسباب تاريخية وثقافية، إلى تعليم مُحتقر- لأسباب مشابهة- "راسبون بالضرورة"، كما يُقال عنهم. أي أقل ذكاءً مما يفترض أو يتقبل النظام التعليمي وسوق عمله. وهم ليسوا ممن يقررون مصيرهم، بناءً على خيارات أكاديمية ومهنية. بل هم "مجبرون" بهذا المسار، طالما أنهم لم يفلحوا في التعليم الآخر، وهو "التعليم"، الذي يعتبر "تعليماً" حقاً.

والحال أنه لا يمكن لوزير تربية عادي أن يحتفي براسبين مثلهم، فكيف ببوصعب العظيم ومشهدياته؟ وفي الأساس، يبدو نظام التقييم قاصراً عن تقييم هؤلاء، خصوصاً الذين يشتغلون منهم بأيديهم، العضو المحتقر في أجسادنا. ففي "الحداثة"، وبوصعب خير ممثل لها في المجال التعليمي طبعاً، لا مكان لليد وحركتها وذكائها. الذكاء والإبداع في العقل وحده. مهن اليد- كما لو أنها تتحرك وحدها- ليست مما يُحتفى به. وكره العملي والتطبيقي لا يفسره غير كره اليد هذه.

على أن تقدير العقل، وما ينتجه افتراضاً من علوم، ليس بلا سياقات. ففي حيز تعليمي آخر، يُحتقر طلاب فرعي الإنسانيات والإقتصاد والاجتماع، في الشهادة الثانوية، لأنهم أقل "علمية" و"ذكاءً" من الفرعين الآخرين. وفي الجامعات، تبدو اختصاصات العلوم الإنسانية دون العلوم الطبيعية والرياضية، وإلى آخره. 

وإذ يبدو هذا النظام التمييزي مخنوقاً بتعدد ميول فاعليه، وفي تشكيله جزءاً من آلية إقصائية-اصطفائية ملازمة لاجتماعنا، يبدو "الآخرون" فيه، أي المهمشون والمحتقرون، أرض خوفه وموته النظري، على الأقل.