جريدة الأخبار
«فلسطين خارج المناهج»: وزارة التربية خضعت لضغوط جهات رسمية وخاصة
شطب «القضية الفلسطينية» من مناهج التعليم في لبنان يستمر بالتفاعل. أمس، أكد المركز التربوي للبحوث والإنماء ان وزير التربية السابق الياس بو صعب أصدر تعميماً جديداً عام 2016، تضمن في بعض تفاصيله ما ورد في تعميم قديم صادر قبل 16 عاماً (في عهد وزير التربية الأسبق محمد يوسف بيضون). اللافت ان بيان المركز برّر الأمر بأن «تدريس القضية الفلسطينية يمكن أن يطرح إشكالية في المجتمع اللبناني»، وأشار الى ان «جهات رسمية وخاصة ضغطت للإبقاء على تعليق العمل بمحور القضية الفلسطينية بحسب التعاميم السابقة».
فاتن الحاج
ما الذي يعنيه البيان التوضيحي الصادر أمس (أنظر الاطار المرفق) عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، وهو الجهة الرسمية المعنية بالمناهج التعليمية؟
يعني، اولاً، ان محاور «القضية الفلسطينية» معلّقة منذ عام 2000، بموجب تعميم صادر عن وزير التربية في حينه، في ظل عهد الرئيس اميل لحود وحكومة الرئيس سليم الحص، وهذا صحيح بحسب ما يظهر من الوقائع.
ولكنه يعني، ثانياً، ان التعميم الصادر عن وزير التربية السابق الياس بو صعب، هو تعميم جديد يلغي التعميم السابق (بطبيعة الحال)، وهو بالتالي ليس التعميم نفسه الصادر منذ 16 عاما الا في بعض مضامينه، ولا سيما لجهة الابقاء على تعليق محاور «القضية الفلسطينية». وهو ما تؤكّده روايته ورواية المركز التربوي للبحوث والإنماء، كما تؤكده واقعة صدور «التعميم الخاص الجديد بمادة التاريخ بصيغته النهائية بتاريخ 1-10-2016، الذي يعيد بموجبه تعليق العمل بهذا المحور»، بحسب توضيحات رئيسة المركز بالتكليف ندى عويجان.
اذاً، ليس هناك التباس في واقعة صدور قرار عن بو صعب يعيد تعليق تدريس محاور «القضية الفلسطينية». واذا كان بو صعب موافقا على اعادة تدريس هذه المحاور، فهو عاد واستجاب للضغوط والمبررات التي تضع «القضية الفلسطينية» في جانب من الصراعات المحلية، لا يمت بصلة لأصل القضية وجوهرها، اي احتلال فلسطين واقامة كيان غاصب، بل يتصل بدور منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان!
يقول بيان المركز التربوي ان «تدريس محاور القضية الفلسطينية يمكن أن يطرح إشكالية في المجتمع اللبناني»، وهذا ما ردده بو صعب ايضا، رغم انه اصرّ على ان موقفه الفعلي يذهب ابعد من اعادة تدريس هذه المحاور وصولا الى تضمين مناهج التعليم محاور عن عملاء الداخل وليس فقط الخارج.
أساتذة شاركوا في اللجان التي مهدت لتعميم بو صعب الجديد في عام 2016، اشاروا الى السرعة القياسية التي صدر فيها هذا التعميم، وقالوا انه لم يبن على أسس تربوية واضحة، بل جرى البناء في بعض الأحيان على قرارات سابقة تتعلق بالحذف من دون أي تدقيق فيها.
ويشرح هؤلاء ان محاور القضية الفلسطينية في كتاب التاريخ وفق المنهج القديم، تتضمن تاريخ القضية من نشأة الصهيونية إلى الانتداب البريطاني على فلسطين ونكبة 1948 وحملة 1956 (وليس عدوان 1956) وحرب حزيران 1967 والحروب العربية - الإسرائيلية... وهذه المحاور تستعرض وقائع تاريخية موضوعية لا علاقة لها بخلافات اللبنانيين على دور الفصائل الفلسطينية المسلحة في الحرب اللبنانية. ويؤكدون أن هذه المحاور كانت تدرّس في مدارس كثيرة في الفترة الفاصلة بين تعميم عام 2000 وتعميم عام 2016، كما كانت تدرس قبل عام 2000 في كل المدارس الرسمية، فيما كان العديد من المدارس الخاصة يدّرس كتاب تاريخ لا يتضمن هذه المحاور.
تلفت هذه المصادر الى ان اللجان التربوية نجحت في تضمين مشروع التعميم الصادر عن بو صعب اعادة تدريس محاور القضية الفلسطينية ومحاور الحرب العالمية الاولى، ولكنهم فوجئوا لاحقا باعادة تعليق محاور القضية الاولى.
المركز التربوي: «القضية الفلسطينية» تطرح إشكالية في المجتمع اللبناني
تعليقا على التقرير المنشور في «الاخبار» تحت عنوان «شطب القضية الفلسطينية من المناهج التعليمية: تطبيع مستتر مع إسرائيل» (الاثنين ٢٩ أيار ٢٠١٧) اصدرت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف ندى عويجان، بيانا توضيحياً جاء فيه:
1ــــ بتاريخ 19-10-2000 صدر التعميم رقم 78/م/2000 (تحديد محاور التدريس لمادة التاريخ في السنتين التاسعة الأساسية والثالثة الثانوية) عن وزير التربية والتعليم العالي (آنذاك)، محمد يوسف بيضون. وتمّ بموجبه تحديد محاور التدريس للسنة التاسعة الأساسية والتي لم تتضمن المحور السادس (القضية الفلسطينية) والمحور السابع (الحركات الاستقلالية في الدول العربية). وعليه، استمر العمل بهذا التعميم حتى العام 2016.
2ــــ بتاريخ 2-9-2016 قدّم المركز التربوي للبحوث والإنماء مشروع تعديل تحديد محاور التدريس لجميع المواد، من بينها مادة التاريخ وتضمّن اعادة العمل بالمحور السادس. وقد وقّع وزير التربية (آنذاك) الياس بو صعب على المشروع التعديلي المذكور أعلاه، وصدر التعميم رقم 21/م/2016 بتاريخ 3-9-2016 ونشر فور صدوره على الموقع الالكتروني للمركز التربوي متضمنًا محور القضية الفلسطينية.
3ــــ بتاريخ 8-9-2016 عقد وزير التربية مؤتمرًا صحافيًا خصصه لتوضيح مجريات ما حدث، وأجاب على بعض الاعتراضات على التعميم، تاركًا مهلة أسبوعين لتقديم الملاحظات والاعتراضات لدراستها، تمهيدًا لوضع التعميم في الصيغة النهائية قبل نشره في الجريدة الرسمية. وضمن هذه المهلة، ونتيجة معاينة ملاحق التعميم على الموقع الإلكتروني الخاص بالمركز التربوي، ونتيجة مقال منشور على الموقع الإلكتروني «جنوبية» (9-9-2016)، الذي يظهر اعادة العمل بمحور القضيّة الفلسطينية (ملحق رقم 4)، تلقى المركز التربوي العديد من الملاحظات من جهات رسمية وخاصة متعلقة بالإبقاء على تعليق العمل بهذا المحور بحسب التعاميم السابقة. وفي اجتماع مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، تّم التداول في هذا الشأن وكان التوجه أيضًا إلى الإبقاء على تعليق العمل بهذا المحور للأسباب الآتية:
أــــ الأوضاع السياسيّة في عهد الوزير بيضون وتقليص عدد ساعات التدريس لمادة التاريخ من ساعتين إلى ساعة في الأسبوع، دفع بالوزير بيضون إلى اصدار التعميم المتعلّق بإيقاف العمل بمحور القضية الفلسطينية،
ب ــــ لا يوجد محتوى لهذا المحور، وذلك لأنه لم يصدر حتى الآن كتاب تاريخ، وفقًا لمرسوم المناهج، 10227/97. وما يعتمد حاليًا هو المنهج الصادر بالمرسوم رقم 14528/1970،
ج ــــ تدريس هذا المحور يمكن أن يطرح إشكالية في المجتمع اللبناني،
هـ ــــ وجهات النظر المختلفة في المقاربات التعليمية الممكن اعتمادها يمكن أن تطرح إشكالية أيضًا خاصة في غياب محتوى متّفق عليه لهذا المحور.
لذلك كان الطلب من قبل المجتمعين من المؤسسات التربوية الخاصة على الإبقاء على تعليق العمل به حرصًا على عدم تغذية الجدل حول هذا الموضوع لدى الأطياف كافة، ريثما يتم الاتفاق على رؤية موحّدة لدى جميع اللبنانيين، وصدور منهج تاريخ موحّد يحظى على موافقة جميع الفعاليّات السياسية والتربويّة بما يحقق الأهداف والمبادئ العامة الواردة في وثيقة الوفاق الوطني.
4 ــــ بتاريخ 1-10-2016، وبعد انتهاء المهلة المحددة لإبداء الملاحظات، تمّ نشر التعميم الخاص بمادة التاريخ بصيغته النهائية على الموقع الإلكتروني للمركز التربوي، والذي يعيد بموجبه تعليق العمل بهذا المحور.
بناء على كل ما تقدّم حول هذا الموضوع، حاول المركز التربوي للبحوث والإنماء جاهدًا بناءً لطلب وزير التربية الياس بو صعب، إعادة العمل بمحور القضيّة الفلسطينية (المعلّق العمل به منذ العام 2000)، ولكن نتيجة الاعتراضات على ذلك، ونظرًا لعدم وجود مادة تعليميّة متّفق عليها وطنيًا ومصدّق عليها من قبل مجلس الوزراء، كان من المستحسن الابقاء على تطبيق التعميم رقم 78/2000 الصادر عن الوزير بيضون. لذلك اقتضى التوضيح.
مهنة الإعلام ومهمته
نجح وزير التربية السابق الياس بو صعب في زرع الشكوك في صحة المعلومات التي نشرتها «الأخبار» عن شطب «القضية الفلسطينية» من دروس التاريخ في المدارس الرسمية والخاصة، ليس لأنه قدم حججاً وبراهين تتناقض مع هذه المعلومات، بل لأن معظم الاعلام اللبناني بات يتبارى على تبوّء المرتبة الاولى في الانحطاط المهني.
أول من أمس انتشرت العناوين في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ومواقع الكترونية تقول ان الوزير السابق الياس بو صعب كذّب «الأخبار». ولكن أي تقرير تلفزيوني أو صحافي تناول هذه القضية لم يفعل شيئاً سوى نقل ردود بو صعب وحده، بلا أي جهد مهني ولو بالحد الادنى لعرض هذه القضية المهمّة جداً. لم يكلّف أحد نفسه بمراجعة قرار الوزير بو صعب المنشور في الجريدة الرسمية وعلى موقع المركز التربوي للبحوث والإنماء، كما لم يكلّف أحد نفسه عناء سؤال أيّ من المعنيين في الهيئة التعليمية والوزارة والمركز... أو حتى «لوبي» المدارس الخاصة... بمعنى أن أحداً من الذين قرروا متابعة هذه القضية ومن الذين كلّفوا بمتابعتها لم يذهب الى أبعد من الحصول على تصريح من الوزير بو صعب ردّاً على «الأخبار»، في حين ان القضية نفسها لم يجر تناولها إطلاقاً ولم يجر أي تدقيق، ولو بسيط، في ملابساتها.
في متابعة ما عُرض على الشاشات، لم ينف بو صعب ما أوردته «الأخبار» عن شطب «القضية الفلسطينية من دروس كتاب التاريخ للصف التاسع». كل ما فعله أنه أعاد سرد القصة بطريقة أخرى، نافيا المسؤولية عنه شخصيا. قال بو صعب ان قراره الصادر في أيلول 2016 ليس قراراً جديداً. وهذا صحيح، إذ كان قد سبقه اليه وزير التربية السابق محمد يوسف بيضون، في عام 2000. هذه المعلومة مفيدة، ولكنها لا تغيّر في واقعة أن بو صعب اتخذ قراراً مماثلاً لقرار بيضون بعد 16 عاماً. ألم ينتبه أحد الى هذا التفصيل البسيط. قال بو صعب إنه «حاول» أن يُبقي دروس «القضية الفلسطينية» في قراره الجديد، ولكن هناك من منعه (يسميها «المدارس الخاصة») وهو رضخ ولم يواجه. ألا يستحق هذا التفصيل أيضاً بعض الانتباه؟
ما حاول أن يقوله بو صعب هو بسيط جداً وواضح ومفهوم: ان وزير التربية لا يستطيع وحده على هذا الحمل، وهو قرار سياسي كبير. ولكن وزير التربية الحالي، مروان حمادة، فعلها وقرر إعادة تدريس محاور القضية الفلسطينية اعتباراً من العام الدراسي المقبل. أليس هذا «التفصيل» عنصراً مهماً وفقاً للمعايير المهنية؟ فلماذا جرى إهماله أو التعامل معه عرضياً؟ لماذا لم يُسأل الوزير حمادة عن قراره الذي ألغى قرار سلفه؟
حسناً، كذّب بو صعب «الأخبار»، وحصل «الإعلام» على «خبر» واحتفى به. ماذا الآن؟ اختفى الخبر ولم تعد هناك مسألة تستحق المتابعة اسمها «شطب القضية الفلسطينية من مناهج التعليم»، بمعزل عمن اتخذ القرار ومتى اتخذه. يقبل الإعلام الآن أن لا يتعلم التلاميذ أن الشعب اللاجئ في لبنان كانت له أرض يعيش عليها، وتم اغتصابها منه، وإقامة كيان غاصب عليها يدعى «إسرائيل»، الذي شنّ حروباً واجتياحات متواصلة علينا وقتل منا وجرح وهجّر عشرات الآلاف ودمّر بيوتاً ومؤسسات وبنى تحتية بمليارات الدولارات.
يؤكد هذا الاعلام كل يوم، وعند كل محطّة، أنه مثل نظام التعليم، أداة «ايديولوجيا» للنظام القائم. ما اختلف في الفترة الأخيرة أن هذا الإعلام لم يعد يتمتع بأيّ كفاءة، حتى في تأدية مهمته.
الوكالة الوطنية/إستقبل وزير التربية والتعليم العالي مروان حماده وفدا فلسطينيا ضم ممثلين لمختلف الفصائل الفلسطينية برئاسة عضو "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" يوسف احمد، في حضور مستشار الوزير أنور ضو.وتقدم الوفد بالشكر للوزير على الكتاب الذي أرسله إلى المركز التربوي، معتبرا أنه "أعطانا الأمل في ظل الضغط القوي على شعبنا، وهذا القرار يؤكد أن موقفكم وموقف كتلتكم البرلمانية وموقف وليد بك جنبلاط يعطينا الأمل بأن فلسطين محتضنة من وطننا العربي".
أضاف: "إن المناهج هي وعي للتأسيس لجيل المستقبل، بأن يتم حمل القضية الفلسطينية في قلوب الأجيال، وأن يرسخ التفكير القومي والعروبي لدى الشباب. إنه قرار مهم جدا ولا سيما أننا نتابع سياسة الأونروا في السنوات الأخيرة، وهي سياسة تنحو في اتجاه عدم تدريس تاريخ وجغرافية فلسطين".(..)ثم استقبل حماده وفدا من مندوبي المناطق التربوية الذين طالبوا بإعطائهم الحق في العمل في المدارس بدوام بعد الظهر على غرار زملائهم، وبالتالي الحصول على حقوقهم، فأكد الوزير أنه لا يحق لأحد إقصاؤهم وان حقوقهم المالية مصونة بالكامل.
إسرائيل عن «فضيحة المنهاج»: خلاف بين الدولة وحزب الله!
العداء والرفض العربيّان لإسرائيل لم يعودا قائمين، وبطبيعة الحال، العداء اللبناني. هذه هي رواية إسرائيل، لما يسمى «ظلما وعدوانا» الصراع العربي ــــ الإسرائيلي، الذي لم يعد صراع احتلال، بل مجرد كراهية ليهود من مجموعات تمتهن الكراهية والإرهاب. رواية، تتماهى مع إرادة وفعل معظم الحكام العرب، وبعض اللبنانيين.
على هذه الخلفية تفهم إسرائيل وتريد إفهام، أن مقالة الزميلة فاتن الحاج، التي كشفت قبل يومين حذف القضية الفلسطينية من المنهاج اللبناني وما أعقبها من ردود ووعد بالتصحيح، هو مجرد تحرك جاء بقرار من حزب الله، «المجموعة الإرهابية الموجودة» في لبنان، الرافضة والكارهة لإسرائيل، وعلى نقيض من معظم اللبنانيين. اما تبرؤ الوزير الياس أبو صعب، فجاء «خوفا من حزب الله»، والتصحيح المعلن عنه من قبل الوزير مروان حمادة، أيضا يأتي من «منطلق الخوف» لا أكثر، تضيف الرواية الإسرائيلية.
في رواية إسرائيل لا فعل مقاومة ورفض للاحتلال من قبل لبنانيين، بل مجرد كتاب وسياسيين وفاعليات... يتحركون بإشارة من حزب الله، الكاره لإسرائيل. اما الظلم والاحتلال والغزو والتضحيات والعذابات لاسترجاع الأرض وطرد المحتل، فأفعال منسية، رغم أن الاحتلال ما زال إلى الآن، متربصاً بلبنان، ويهدد، ليل نهار، مدنييه وبنيته التحتية.
مقالة الزميلة الحاج، التي كشفت من خلالها فضيحة للدولة اللبنانية، تستدعي ليس فقط التبرؤ والتصحيح وحسب، بل أيضا المحاسبة، تحولت في عناوين الصحف الإسرائيلية إلى موضوع سجالي خلافي، بين الدولة اللبنانية، التي أرادت «نبذ الكراهية»، وبين حزب الله، الذي اراد فرض الكراهية. صحيفة «يديعوت أحرونوت» عنونت تقريرها بعبارة «ضغط حزب الله ينجح»، في اشارة الى المقالة، وإلى التبرؤ والوعد اللاحق بالتصحيح. نعم هو مجرد تعليق عبري على خبر، أراد أن يحرف الفضيحة ويحولها إلى مادة خلاف داخلي لبناني، لكنه كاشف لمقاربة إسرائيل لقضية المعاداة للصهيونية وإسرائيل، التي تتغذى للأسف من إشارات الود وطلب وتفعيل التحالف بينها وأنظمة عربية، وللأسف أيضا من لبنانيين، يطلق عليهم وصف الاعتدال، ربطا بموقف تناسيهم لفظاعات إسرائيل في لبنان واحتلالها.
رواية إسرائيل عن مظلومية المحتل المكروه، وظلامية كاره الاحتلال لأنه ارهابي، تجد للأسف صداها في لبنان، وكذلك لدى العرب. حديث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس للإذاعة العسكرية العبرية، بـ «أنني أرى تغييرا في ما يتعلق بإسرائيل في بعض الدول العربية، ليس على مستوى الأنظمة وحسب، بل أيضا وسط الرأي العام»، يشير إلى نجاح الرواية الإسرائيلية، التي استطاعات، بمعونة حكام العرب، ابعاد القضية الفلسطينية والاحتلال عن جزء كبير من الوعي الجمعي للرأي العام العربي. وحديث نتنياهو، قد يختصر كل التحليلات.
لدى حكام العرب واعلامهم، وللأسف أيضا لدى البعض في لبنان، يقاس التطرف والإرهاب، ربطا بـ«كراهية» إسرائيل وكراهية الاحتلال، الأمر الذي أتاح ويتيح لتل أبيب أن تتمسك بهذه الرواية وتتمادى وتبني عليها. فإذا نفض العرب أيديهم من مقارعة الاحتلال، بل وتحالفوا معه، فهذا يعني أنه لم يعد ذا صلة، وكل رافض له، هو كاره، ومتطرف، وارهابي.
في السياق نفسه، وليس بعيدا عن رد الفعل الإسرائيلي على مقالة الزميلة الحاج، جاء تعليق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، على تقديم نادي العهد الرياضي كأس بطولة الدوري اللبناني لكرة القدم، للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. تقرير الصحيفة، عبر عن «انزعاج» من فوز «الفريق الرياضي التابع لحزب الله»، الذي يرتدي بزات رياضية بلون علم حزب الله الأصفر... وأضافت أن نصر الله أمل أمام رياضيي الفريق، النجاح في البطولات العربية، و«جلب الفخر للبنان»، في إشارة منه، بحسب الصحيفة، إلى لبنانية الفريق ودوره.
تقرير «يديعوت أحرونوت»، حول فريق العهد الرياضي، عينة إضافية عن إرادة الفصل الاسرائيلية بين لبنان، غير الكاره لإسرائيل، وبين فئة أو مجموعة تمتهن الكراهية: حزب الله. قارئ التقرير يخلص في نهايته إلى نتيجة واحدة: حزب الله يستغل الرياضة، لدفع ايديولوجيته قدما في هذا البلد، وكي تكون منصة أو معبرا لتجنيد الشبان للقتال في سوريا! اما الدليل على ذلك، بحسب الصحيفة ايضا، فهو تقرير قناة «العربية» السعودية المعنون: حزب الله يجنّد لاعبي كرة القدم للقتال في سوريا.
في التقرير أيضا خلاصة لـ«يديعوت أحرونوت»: «هذه الأمور، وغيرها، تظهر بشكل كبير جدا، سيطرة وتحكم حزب الله على قطاع الرياضة في لبنان... وهو بدوره يعني، أن هذا التدخل في هذا القطاع، يعمق انتماء الحزب لبنانيا». في إشارة إضافية (تهدف إلى حفر في الوعي) إلى أن حزب الله خارج وطارئ على اللبنانيين.
يحيى دبوق
«محرقة» لوعي اللاجئ الفلسطيني: «إسرائيليّون» في «الأونروا»!
ضاق العالم بالقضيّة الفلسطينيّة، وقد حار قديماً، ويَحار يوميّاً، في كيفيّة طيّ صفحة هذا «الكابوس» الأبدي. لم يعد الفرق شاسعاً في هذا السعي، بين عدو وبين حليف عدو و«حيادي» و«شقيق»... فـ«البيت الفلسطيني» نفسه ليس بعيداً عن هذا. وصل الأمر إلى وكالة «الأونروا»، التي أنشئت لـ«إغاثة وتشغيل» اللاجئين الفلسطينيين. هذه تُريد الآن أن تغير مناهج تدريس «أطفال القضيّة» ليُصبح اسم بلادهم «يقطين»! وأن تُشطب مِن وعيهم أي خريطة لبلادهم تحت شعار «الحضّ على السلام»! الوكالة، التي تُعاقب اللاجئين وتطردهم مِن عملهم لديها إن أبدوا تعاطفاً، علنيّاً، مع قضيّتهم بحجّة «عدم التحيّز»، تسمح بأن يكون على رأس هرم إدارتها مَن له علاقات بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية وكذلك الأميركية. أياً يكن، هناك مَن لا يزال يرفض أن يموت، ومن هؤلاء مَن سرّب «الفضيحة» الأمميّة، فعطّلوا الخطّة مرحليّاً. هؤلاء، ومعهم كلّ مقاوم في الداخل والخارج هم الذين يتمنّى «كبار العالم» موتهم منذ دهر، لكنّهم فكرة فضلاً عن قضيّة... والأفكار دوماً مضادة للرصاص.
في تمّوز 2016، زار الأمين العام السابق للأمم المتّحدة، بان كي مون، مدرسة تابعة لـ«وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى» (الأونروا) داخل قطاع غزّة في فلسطين. كانت هناك لوحة طوليّة لخريطة فلسطين، كلّ فلسطين، تلك التي «من النهر إلى البحر». حدث أن جاء «أحدٌ ما» وغطّى تلك اللوحة بقماشة بيضاء قبل وصول الزائر إلى المدرسة، كأنّها عار لا يُراد للعين الأجنبيّة أن تراه!
مَن فعل ذلك؟ ظلّ الأمر مبهماً. الفلسطينيّون الغاضبون اتهموا «الأونروا» بذلك، فيما نفى المتحدّث باسم الأخيرة الأمر، ثم أتت «اللجان الشعبيّة للاجئين» وقالت في بيانها إن مَن فعلها «جهة مِن الطابور الخامس في وكالة الأونروا... هذا العمل المشبوه والمخزي». كل ذلك كان قبل الوثيقة السياسيّة الجديدة لـ«حماس». قبل أن تعلن الحركة، منهجيّاً، قبولها دولة على ما يُعرف بأراضي عام 1967.
«الأونروا» وتغيير المناهج
قبل نحو شهرين، علت أصوات فلسطينيّة، مِن الداخل والخارج، ضدّ «الأونروا» بعدما همّت بتغيير المناهج الدراسيّة للطلاب في مدارسها. مسؤولون في الوكالة رفضوا، بداية، التعليق على المسألة. لاحقاً سيأتي المفوّض العام للوكالة، بيير كرينبول، ليجتمع برئيس الوزراء الفلسطيني (رام الله) رامي الحمدالله، ثم بوزير التربية والتعليم صبري صيدم، وذلك للبحث في قضيّة المناهج المُثارة. بالمناسبة، لولا تسريبات مِن داخل الوكالة نفسها، لكانت مرّت التغييرات وأصبحت واقعاً.
هذه التسريبات، التي حصلت «الأخبار» على نسخ عنها، تتضمن المناهج التي كان يُعمل عليها، إذ كانت كلمة «فلسطين» في واحد مِن كتب المرحلة الابتدائيّة ستُصبح «يقطين»! أمّا الخريطة الفلسطينيّة، فكانت ستتبخّر تماماً. والأم التي كانت تتعاون مع ابنتها في «تطريز خريطة فلسطين» ستُصبح، بعد التعديل، تتعاون مع ابنتها في «تطريز ثوب فلسطيني». أيضاً، كانت ستتبخّر تماماً كلمة «احتلال» مِن إحدى الصفحات، وكذلك التمرين المتعلّق بـ«يوم الأسير الفلسطيني». وفي مكان آخر، في أحد دروس اللغة العربيّة، سيحلّ «الأمير» مكان «الأسير». ستُستبدَل جملة «القدس عاصمة فلسطين» بجملة «القدس مدينة الديانات السماويّة». السجن سوف يُصبح «بلديّة»... اللائحة طويلة، لكنّ الفصل الأخير مِن هذه المسرحيّة التافهة سيُحيل رسم جدار الفصل العنصري إلى هيئة «شلّال»!
رئيس الوزراء الفلسطيني سيُعلن، بعد لقائه كرينبول، أنّه «تم الاتفاق خلال الاجتماع على أنّه لا تغيير على المناهج التي تُدرّس في مدارس الوكالة، وأيّ تعديل عليها سيتم بالمشاورات الكاملة مع وزارة التربية والتعليم». في اليوم التالي، بعد اجتماع المسؤول الأممي مع وزير التربية والتعليم في رام الله، سيُصرّح الأخير قائلاً: «نؤكد العلاقة الوثيقة والتاريخيّة التي تربط الوزارة بالوكالة، والحرص على تعزيز التواصل بما يضمن خدمة التعليم لأبناء اللاجئين وتحسين مخرجاته... ونشدّد في الوقت نفسه على ضرورة احترام المناهج الوطنيّة ومنع أيّ محاولات قد تمسّ المناهج ومضامينها».
أما كرينول، فقال إن الوكالة «تعدّ شريكاً رئيسياً لوزارة التربية، خاصة في المجال التعليمي، ونؤكد حق الأطفال الفلسطينيين في تلقي تعليم نوعي والحفاظ على مقومات الهوية والثقافة، وإنّ أي إثراء للكتب المدرسيّة الفلسطينيّة سيكون بالتنسيق بين الوزارة والوكالة».
هكذا، إنّه «الإثراء». كلّ المسألة في هذا «الإثراء». إلى هنا تكون الوكالة، في الظاهر، تراجعت عن خطوة تغيير المناهج كما كان يُعدّ لها، علماً بأن الاجتماع الأخير بين المفوّض العام للوكالة والوزير الفلسطيني حضره عدد مِن الخبراء والمستشارين، مِن الطرفين، ومِنهم حكم شهوان (احفظوا هذا الاسم) مِن مكتب المفوّض. وبالمناسبة، كانت الوكالة قد عقدت في العاصمة الأردنيّة، نهاية العام الماضي، منتدى لـ«تعزيز الجهود الرامية إلى تنفيذ إطار المناهج» (كما أعلنت على موقعها الإلكتروني). ومما جاء في بيانها آنذاك أنّ المناقشات في المنتدى «ركّزت على كيفيّة ضمان استخدام إطار المناهج على نحو فعّال، مع التركيز على قضايا مثل تجنّب التحيّز والتزام قيم الأمم المتحدة». تذكّروا معزوفة «تجنّب التحيّز»، وكذلك «قيم الأمم المتّحدة».
العين الإسرائيليّة على «الأونروا»
قبل منتدى الوكالة المذكور، وقبل فضيحة المناهج، كانت دراسة إسرائيليّة قد صدرت ــ أعدّها رئيس «مركز أبحاث سياسات الشرق الأوسط» الإسرائيلي دافيد بادين ــ وحُرّض فيها على «الأونروا» والمناهج الدراسيّة التي تدرّسها. دعا بادين دول العالم المانحة إلى الكفّ عن تمويل الوكالة، مستشهداً بتصريح لرئيس «لجنة الخارجيّة والأمن» في الكنيست آفي دختر، وفيه أنّ «100% مِن موظّفي الأونروا أعضاء في المنظّمات الفلسطينيّة المسلّحة». لاحقاً، في مطلع العام الجاري، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيليّة تعليقات على دراسة أعدّها أرنوس غروس بالتعاون مع روني شكيد، جاء في خلاصتها أنّ «المناهج الدراسيّة المقررة في مدارس الأونروا تعدها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وتعتمد أساساً نزع الشرعية عن إسرائيل وتشويهها».
بعدما ترجم غروس الكتب المدرسيّة كلّها إلى العبرية، لفحصها ونشرها، خلص إلى الآتي: «هناك 11 كتاباً من مناهج الأونروا دولة إسرائيل غير موجودة فيها، كما ورد في أحد كتب التاريخ أن الصهيونيّة حركة استعماريّة، وكذلك الكتب المذكورة لا تتحدث عن أي صلة للعلاقات الدينية والتاريخية لليهود بهذه الأرض والقدس، وفي جميع كتب الأونروا لا يظهر أي اعتراف بالأماكن المقدسة لليهود مثل الحرم القدسي، وحائط المبكى (البراق)، أو قبر راحيل، بل يتم عرضها كأماكن مقدسة للمسلمين، ويريد اليهود السيطرة عليها».
(يا حرام!)، غروس يزعجه أن يصف أحدهم الصهيونيّة بالحركة الاستعماريّة كأنّها مؤسسة لتوزيع الورود! المُهم، هذه الدراسة قُدّمت إلى الكنيست، كما ذكرت الصحيفة، التي أضافت أنّه «يجب التوضيح للولايات المتحدة والدول الأوروبية أين تُنفَق أموالهم، والطلب منهم وقف ما تقوم به الأونروا».
في نيسان الماضي، عاد بادين، صاحب الدراسة الأولى، ليُكرّر هجومه على مناهج «الأونروا». وادعى أنّ الوكالة «جمعت في مرحلة سابقة تبرعات مالية لإعداد خطط دراسية، تشمل تدريس المحرقة النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية ضمن مناهجها التعليمية، لكنها ما وفَت بتعهداتها». الخطير في الأمر أنّ «الأونروا» لم تردّ ولم تعلّق. أكثر مِن هذا، الأخطر أن بادين نقل عن «مسؤول كبير في الأونروا» قوله إنّه «لم تكن هناك نية أصلاً لتدريس المحرقة، لكننا أردنا تحسين صورتنا لدى الجالية اليهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل». وختم الباحث الإسرائيلي قائلاً: «في ظلّ خشية الأونروا من تقليص واشنطن إسهاماتها المالية المقدمة إليها، غيرت بوضوح في سياستها، وأرسلت رسائل بأنها بصدد إعداد خطط دراسية تحض على السلام، والتخلص من التحريض الذي طالما قالت إنه غير موجود في مدارسها».
يُذكر أن الولايات المتّحدة الأميركيّة هي المساهم الأوّل في تمويل «الأونروا»، وهذه مسألة تاريخية، ولهذا كتب البروفسور الإسرائيلي آريه الداد، بعيد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، أنّه «على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن يطلب مِن ترامب وقف تمويل وكالة الأونروا وإغلاق هذه المنظمة المعادية». وكلّ هذا الضجيج الإسرائيلي كان قد انطلق قبل تسريب نماذج المناهج المدرسيّة المزمع اعتمادها.
مَن هو حكم شهوان؟
لا تكفّ «الأونروا» في بياناتها وتصريحات مسؤوليها عن التذكير بمبدأ «الحياد» و«عدم التحيّز»... في السياسة وغيرها. فتمنع على موظّفيها (مِن اللاجئين الفلسطينيين) أن يكون لديهم انتماءات سياسيّة، بل حتّى التعبير عن ميولهم الوطنيّة، بل تُعاقب وتطرد مَن يُعبّر مِنهم عن مواقفه الوطنيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، والشواهد كثيرة، وهي قضية دوماً حاضرة في سجلات الموظفين وملاحظات مديريهم.
حسناً، مَن هو حكم شهوان، الفلسطيني الذي عيّنته الوكالة مديراً لها في لبنان لعدّة أشهر بين عامي 2016 و2017؟ مَن هو هذا «الخبير في فنون التواصل» الذي شبك علاقات مع مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية، في لبنان والخارج، وأصبح «محبوب الجميع»؟ إنّه حامل شهادة الماجستير في الأمن والديبلوماسيّة مِن «جامعة تل أبيب». هذا كلّ شيء؟ كلا، مَن هم الذين كانوا أساتذته في الجامعة، وأيّ برامج خضع لها، وما «المُنتَج» الذي أصبح عليه؟
الجامعة المذكورة ــ على موقعها ــ تعلن في برنامجها للشهادة التي حصل عليها شهوان الآتي: «اكتسب خبرة لا مثيل لها في زيارات ميدانيّة إلى حدود إسرائيل المختلفة، ومكاتب وزارة الدفاع (الأمن) الإسرائيليّة الحكوميّة التي يقودها عميد متقاعد في الجيش الإسرائيلي». وتضيف الجامعة في سيرته: «لقاءات واجتماعات مع سفراء يديرها مدير عام سابق في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة. لقاءات مع محترفين في الأمن والديبلوماسية».
أما رئيس البرنامج، البروفيسور عازار جات، فيقول: «يستند الماجستير الدولي في الأمن والديبلوماسيّة إلى الجمع بين كبار علماء هيئة التدريس والممارسين الرائدين مِن القوات المُسلّحة الإسرائيليّة والأجهزة الأمنيّة. وتشمل الرحلات الميدانيّة للجبهات الرئيسيّة للصراع العربي الإسرائيلي والقوات المسلّحة الإسرائيليّة، فضلاً عن الاجتماعات مع السفراء الأجانب». وفي خانة «أي نوع مِن الفرص الوظيفيّة» للطالب (بعد الخضوع البرنامج)، فإنّ الجامعة تقول إنّها «تُعدّ الطلاب للقفز مباشرة إلى وظائف في مجالات الأمن والديبلوماسيّة، وحتى الآن حصل المتخرجون على وظائف في القطاع الخاص ومع الحكومات في جميع أنحاء العالم. تشمل مواقعهم مناصب مع الأمم المتحدة والشركات العالمية الرائدة في مجال تخفيف المخاطر، إضافة إلى وسائط الإعلام ومنظّمات الدعوة ــ مجموعات الضغط واللوبيات، والحملات السياسية ومراكز التفكير والخدمات المسلّحة».
حكم شهوان اليوم، بعد قضاء «مأموريّته» في لبنان بين اللاجئين الفلسطينين، عاد إلى مكتب المفوّض العام لـ«الأونروا» في عمّان، في موقع «كبير المستشارين». جال كثيراً في لبنان، وتفحّص كل كبيرة وصغيرة داخل المخيمات وخارجها، وفي ما يتعلّق بالشأن الفلسطيني. لم يبق فصيل فلسطيني لم يفتح له أبوابه، فضلاً عن «الافتخار» به «كفلسطيني ناجح»، وهو المقدسي، كما يتشدّق دوماً بهذه الهويّة التي تسهل اللعب على العواطف. وشهوان يكتب شهادة في جامعته والبرنامج الذي خضع له كطالب نجيب
، قائلاً: «إن إسرائيل تعيش في قلب مناطق الصراع وتشارك في عدد مِن هذه الصراعات... وأنا لم أشعر (خلال دراستي) بأي عدائية أو عمل تمييزي». هل هذا هو «الحياد» يا «حضرة الأونروا»؟
مهزلة «الحياد»!
يُطرد الفلسطيني اللاجئ، العامل في وكالة «الأونروا» عندما يُظهر «تحيّزاً» لبلاده ولقضيّته، لكن «عادي جدّاً» أن يكون أحد المسؤولين الكبار فيها «ناشطاً» مع ضبّاط وقادة في الجيش الإسرائيلي! البحث يطول عن شهوان، الذي عمل «معاوناً» في السابق لقوات الغزو الأميركي في العراق تحت ستار «بعثات الأمم المتحدة» وما شاكل، ولم يتردّد في التقاط صور له وهو يحمل الأسلحة الأميركيّة وينشرها متباهياً.
ليس وحده، عملت معه، آنذاك، ساندرا ميتشيل، الأميركية التي أصبحت نائباً للمفوّض العام في «الأونروا»، وهي على علاقة مباشرة بالخارجيّة الأميركيّة وباستخبارات بلادها!
الدكتور صلاح الدين الهواري، وهو عضو «المجلس الوطني الفلسطيني»، كان حازماً في حديثه مع «الأخبار» حول القضيّة المثارة، إذ قال: «إدارة الأونروا تارة تقلّص الخدمات الصحيّة والإغاثة الاجتماعيّة، وتارة تشدّد في ضغوطها على الموظّفين والعاملين فيها، فتحظر عليهم المشاركة في أيّ نشاط وطني تحت طائلة المحاسبة بالحسم المالي أو التجميد أو الفصل، إرضاء للمغتصب الصهيوني، وإلغاء للحسّ الوطني عند أبناء الشعب الفلسطيني الذين بدأت تلك الإدارة تحاربهم بلقمة عيشهم». وعن مسألة المناهج، يقول الهواري: «لعلّ محاولتها (الأونروا) الخبيثة لتغيير مناهج التعليم، وشطب اسم فلسطين وخريطتها وتاريخها وجغرافيتها هي الأخطر ضمن ما تمارسه بحق شعبنا، لأنّها موجهة إلى أطفالنا وأجيالنا المقبلة، والهدف إلغاء فكرة فلسطين الوطن والهويّة والانتماء، وفي النتيجة تكريس وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين».
في السياق، يرى الباحث الفلسطيني علي هويدي أنّ «المجتمع الدولي لديه رغبة في إنهاء الأونروا... التي تحوّلت مع الوقت إلى شوكة في حلق كلّ مَن هو ضدّ حق العودة، لكن علينا دائماً أن نُذكّر بأن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية تشريد الشعب الفلسطيني، ولذلك هي معنية بدعم الأونروا الدائم، ولهذا هناك خشية لدينا مِن نيات لشطب الوكالة وتحويل اللاجئين الفلسطينين إلى جداول المفوّضيّة الدوليّة لشؤون اللاجئين، حيث يضيع حق العودة في برامج الترحيل إلى دول مختلفة»، وذلك في إشارة إلى أنّ كلّ لاجئي العالم تُعنى بشؤونهم «المفوضيّة الدوليّة لشؤون اللاجئين»، باستثناء اللاجئ الفلسطيني، الذي أنشئت «الأونروا» خصيصاً له.
وحول مسألة تغيير المناهج، يلفت هويدي في حديث مع «الأخبار»، إلى أن «الأمر كان يمكن أن يمر لولا الضجّة التي حدثت، وعلينا الانتباه أيضاً إلى جماعة يو أن ووتش (التابعة للأمم المتحدة) التي ترصد سلوكات وتعليقات الموظفين في الأونروا على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل حالة المتحدثة باسم مكتب الأونروا في أميركا ليلى مخيبر، التي أُجبرت على إقفال حسابها على تويتر لأنها غرّدت ضد الفصل العنصري الإسرائيلي».
اللعب بالنار
الوكالة (الأونروا) التي أنشأتها «الأمم المتحدة» عام 1947 لمعالجة آثار تشريد الشعب الفلسطيني وتداعيات «النكبة»... لا تمنّ على الفلسطينيين بأن يعملوا لديها، وهي، في اسمها، تحمل صفة «رعاية وتشغيل اللاجئين». هؤلاء اللاجئون مَن هم؟ إنّهم مِن الشعب الفلسطيني. فكيف يُطلب مِن هؤلاء أن يكونوا على الحياد وألّا يتحيّزوا إلى قضيّتهم! ما هذه البلطجة، المهزلة! على «الأونروا» أن تفهم أنّ دورها هو رعاية وحماية وتشغيل اللاجئين، فقط، لا أن تتدخّل في قضيّتهم، وليس لها هنا أي منّة أو جميل على الفلسطيني، فهذا أقل القليل مِن حقّه على «المجتمع الدولي» الذي استدام تشريده وقهره، وعليها أن تفهم أن لا مكان لتخويف هذا الشعب وترهيبه، ومعها أميركا ووساوس نتنياهو لترامب عبر طلب شطب الوكالة وتوقيف عملها، لأنّ الجميع يعلم أن هذا شرارة لبركان لن يُحبّ أحد في العالم رؤية نتائجه. طبعاً، باستثناء الذين يُريدون، بصدق، انتصار قضيّة هذا الشعب والنيل مِن الظالم الذي طال ظلمه. إذاً، لا تبيعوا الناس أوهاماً، بالتهديد، وبمعنى آخر: لا تبيعوا الشعب الفلسطيني سمكاً في البحر.
■ مجموعة من التعديلات المسربة كما عرضتها وكالة «الرأي» الحكومية في غزة (على صفحة موقع الجريدة).
________________________________________
ما هي «الأونروا»؟
هي «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى»، وكان لها محاولة سابقة في تغيير اسمها إلى «وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين»، ما أثار ضجة جعلها تتراجع عن ذلك. وفي تعريفها أن عليها أن تُقدّم المساعدة والحماية وكسب التأييد لنحو خمسة ملايين لاجئ من فلسطين في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وفق نصّها)، وذلك إلى أن يجري التوصل إلى حل لمعاناتهم (مضى على هذه الديباجة 68 عاماً).
أما تمويلها، فهو يعتمد كلياً ــ وتقريباً ــ على التبرعات الطوعيّة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة (الوكالة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي لا تموّل مباشرة مِن صندوق الأمم المتحدة، بل تُرِك الأمر للدول المانحة، ما جعل السيطرة عليها والتحكّم بها أكثر سهولة، ومِن هنا يُفهم سبب كون الولايات المتحدة الدولة المانحة الأولى).
وتشتمل خدمات الوكالة على «التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية، إضافة إلى تحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة، بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح». هل يحدث هذا؟ ليس تماماً. نظرة سريعة إلى حال المخيمات «المطلوب تحسينها» تعطينا الجواب. ودائماً تشكو الوكالة نقصاً في التمويل، وغالباً ما «يستجدي» الأمين العام للأمم المتحدة الدول لزيادة مساهماتها.
وكانت «الأونروا» قد تأسّست في أعقاب نكبة عام 1948 بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949، وذلك بهدف «تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين». بدأت عملياتها في الأول من أيار 1950. وتقول إنّه «في غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة بشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران 2017، وبما أنه كان يتوخى أصلاً أن تكون منظمة مؤقتة، فقد عملت الوكالة تدريجاً على تعديل برامجها للإيفاء بالاحتياجات المتغيرة للاجئين».
ووفق التعريف العملياتي للوكالة، فإن «لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، الذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948». وتضيف أيضاً في تعريف مهماتها: «إنّ خدمات الأونروا متاحة لكافة أولئك الذين يعيشون في مناطق عملياتها والذين ينطبق عليهم ذلك التعريف، والمسجلين لدى الوكالة وبحاجة إلى المساعدة. إن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضاً للتسجيل لدى الأونروا. وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقارب من 750 ألف لاجئ فلسطيني. أمّا اليوم، فإن نحو خمسة ملايين لاجئ يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا».
هل «الأونروا» وكالة شرّيرة بحق اللاجئين الفلسطينيين؟ ليس تماماً بالضرورة، وذلك بلحاظ ما تسدّه مِن حاجة، وخاصّة أكثر في ظلّ غسل «الأشقاء» أيديهم مِن «القضيّة» برمّتها، الذين لو كانوا قد تكفّلوا بالشعب الفلسطيني، قديماً، لما كان هناك مِن حاجة إلى «أونروا» أصلاً. لكنها تبقى، ككلّ الوكالات الأمميّة الشبيهة، ساحة رخوة (مع افتراض حسن الظن) للاختراق السافر أو المقنّع، وهذا ما حدث ويحدث.
محمد نزال
الموضوعات المدرجة ضمن هذه الصفحة تعرض للقارئ أبرز التقارير التربوية في الصحف المحلية،
وموقع التعبئة التربوية لا يتبنى مضمونها