النهار ــ لم يسبق لوزير تولى حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي أن أقدم على اتخاذ قرار بإقالة أحد المديرين عبر كتاب وصل بعد أسبوعين من تاريخه إرساله. فقد أقال وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال طارق المجذوب، الدكتورة ندى عويجان من مهماتها رئيسة للمركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف وذلك عبر كتاب رسمي حمل القرار 344/2020 موقع في العاشر من آب الجاري، ومن دون إبلاغها مباشرة أو من طريق استدعائها الى وزارة التربية، علماً أن عويجان تولت مهمات رئاسة المركز منذ أكثر من 5 سنوات في 15 كانون الثاني 2015 بتكليف من وزير التربية السابق الياس بو صعب.
وقضى قرار المجذوب الذي اتخذ في اليوم الذي استقال فيه رئيس الحكومة حسان دياب أي في 10 آب، بإعادة الدكتورة ندى عويجان إلى مركز عملها في الجامعة اللبنانية وتكليف الدكتورة فدى ميخائيل الشامي الأستاذة في الملاك التعليمي في الجامعة اللبنانية بمهمات إدارة المركز.
وكان المجذوب أعلن بداية الشهر الجاري أن عويجان تجاوزت صلاحياتها بعدما اعتبرت أن التربية غير جاهزة لإطلاق السنة الدراسية، وأن تصريحاتها غير مدروسة داعياً إياها إلى إنجاز ما طلب منها تحضيراً للعودة الآمنة للتدريس وأن الوضع لا يحتمل تسجيل مواقف في غير مكانها. وقد ظهرت خلافات خلال الأشهر المقبلة بين المجذوب وعويجان في وجهات النظر حول طرق التدريس ومقاربة التعليم عن بعد، فيما قرار المجذوب بالإقالة يتجاوز كل هذه النقاط.
إن وزير التربية والتعليم العالي، بناء على المرسوم رقم 6157 تاريخ 21/1/2020 تشكيل الحكومة)، بناء على القانون رقم 75 تاريخ 26/12/1967 وتعديلائه لا سيما المادة 7 منه، وبناء على المرسوم 3612 تاريخ 2/6/2016 ( تعيين معيدين وأساتذة مساعدين وأساتذة في ملاك الـجامعة اللبنانية التعليمي) الذي تضمن إسم الدكتورة فدى مخائيل الشامي، وبناء على مقتضيات المصلحة العامة، يقرر ما يأتي:
-المادة الأولى: يلغى القرار رقم 17/م/2015 تاريخ 22/1/2015 وتعديلاته (تكليف السيدة الدكتورة ندى عويجان بمهام إدارة المركز التربوي للبحوث والإنماء) وتعود الدكتورة ندى عويجان الى مركز عملها الأساسي في الجامعة اللبنانية.
-المادة الثانية: تكلف السيدة الدكتورة فدى مخائيل الشامي، الأستاذة في الملاك التعليمي للجامعة اللبنانية، بمهام إدارة المركز التربري للبحوث والإنماء المرتبط مباشرة بوزير التربية والتعليم العالي الذي يمارس عليه سلطة الوصاية، وذلك بالإضافة الى مهامها الأساسية في الجامعة اللبنانية.
المادة الثالثة: يلغى كل نص مخالف لا يأتلف مع مضمون هذا القرار.
غرد وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب على حسابه عبر تويتر: "هل يكون التزوير إلغاء تكليف موظّف، ما كان يوما على قدر المسؤولية؟"
وأضاف: "التزوير هو تكليف موظف زورًا وتعديل قراره لاحقًا لا لسبب إلا قرابته بمن عيّنه وإبقائه في مركزه لخمس سنوات بدون إنتاج يذكر مع الكثير من المحسوبيات! وللحديث تتمة".
فاتن الحاج ــ الاخبار ـ لم يكن مفاجئاً أن يتخذ وزير التربية طارق المجذوب قراراً بإعفاء رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف، ندى عويجان، من مهامها في المركز وإعادتها إلى ملاك الجامعة اللبنانية، بالنظر إلى التوتر الذي ساد العلاقة بين الطرفين والنزاع على التحكم بمفاصل القرار التربوي. فمن ناحية يرى المجذوب أن عويجان تتجاوز صلاحياتها وتتصرف وكأنها الوزير ولا تعير اعتباراً له، فيما كررت عويجان مراراً بأن الوزير غير متعاون مع طروحات المركز. الكباش طال ملفات عدة منها رفض الوزير توقيع مناقصات، عدم موافقته على تجديد عقود يبرمها المركز لمدة 6 أشهر بأجور مرتفعة لخبراء ومستشارين بلا عمل، ومنهم أصحاب حظوة وأقارب، نقل موظفين في المركز يداومون في الوزارة، عدم الموافقة على مشروع المنصة الالكترونية للمركز التي تكلّف ملايين الدولارات. وبذلك اعتبر الوزير أنه يقوم بخطوات إصلاحية. وقد علمت «الأخبار» أن قرار إقالة عويجان كان قيد التداول منذ فترة في أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ولم يتخذ إلاّ بعد استقالة الحكومة والتحرر من الضغوط السياسية.
لكن ما هو غير منتظر أن ينضم وزير - قاضٍ وعارف بقوانين الإدارة العامة إلى لائحة من سبقه من الوزراء المخالفين للقانون لجهة اعتماد التكليف في رئاسة المركز التربوي (تكليف استاذة الرياضيات في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية فدى الشامي)، وهي حالة غير قانونية، بحسب ما تنص عليه المادة 49 من المرسوم الاشتراعي 112/1969 (قانون الموظفين) التي تحظر أي حالة أخرى غير حالات الأصالة والوكالة والانتداب. ثم أن سلطة تعيين رئيس المركز هي لمجلس الوزراء وليست للوزير.
وأشارت مصادر قانونية إلى أن اتخاذ القرار في 10 آب الجاري، أي في يوم استقالة الحكومة، يخفي نية مبيتة لدى الوزير، ويخالف كل قواعد الإدارة، لأن الوزير يعرف أن هناك تعميماً يصدر مباشرة بعد استقالة أي حكومة وحمل هذه المرة الرقم 27، يشترط أن تأخذ القرارات الإدارية التي تدخل في نطاق الأعمال التصرفية (وقرار تكليف رئيس للمركز هو من ضمن هذه القرارات)، التي تقتضي الضرورة اتخاذها خلال فترة تصريف الأعمال بموافقة استثنائية من رئيسي الجمهورية والحكومة، وكان على الوزير أن يأخذ هذه الموافقة بالحد الأدنى. كذلك طرحت علامات استفهام بشأن الوقت الفاصل بين تاريخ إصدار القرار وتاريخ تبليغه وهو 14 يوماً! في الواقع، فإن توقيف دفتر القيد السجل لتدوين قرارات بتواريخ سابقة بات سمة عامة في الإدارات العامة، والمركز التربوي نفسه لا يشذ عن هذه القاعدة، وهو ما يطرح السؤال عن دور التفتيش الإداري في مراقبة هذه المسألة التي تدخل في صلب عمله وصلاحياته.
مع ذلك، القرار بحد ذاته يعد سابقة، إذ لم يحدث أن نقل وزير موظفاً فئة أولى من منصبه وكلف بديلاً عنه من دون التنسيق مع المرجعية السياسية للموظف، وهي في هذه الحالة التيار الوطني الحر، كي يكون مثل هذا التدبير ضمن سلة تحاصص. إلاّ أن التيار فوجئ بالتدبير، كما قال لـ «الأخبار» المسؤول التربوي في التيار روك مهنا. الأخير تحدث عن «عملية تزوير»، إذ صادر الوزير السجل الذي تدوّن فيه تواريخ القرارات وأرقامها من الموظف في المصلحة الإدارية المشتركة في 11 آب ولم يرجعه إليه قبل يوم أمس، ليضع تاريخ تسجيل القرار ورقمه قبل الدخول في تصريف الأعمال. وأضاف: «الوزير اتخذ هذا القرار ليغطي فشله في تحقيق أي انجاز للتربية، لكنه لم يعرف بأنه فتح عليه نار جهنم، والقصة لم تنته هنا، سندعي عليه في النيابة العامة ولدينا كل الوثائق التي تثبت عملية التزوير، كذلك سنبطل القرار في مجلس شورى الدولة».
وفي تعليق على القرار، رأت عويجان أنها دفعت «ثمن مواقفي التربوية والوطنية ووضعي للنقاط على الحروف»، و«أنا لا أزال مصرة على أن وزارة التربية غير جاهزة لاستقبال عام دراسي جديد».
الشامي، من جهتها، رفضت الخوض في التفاصيل، مكتفية بالقول: «لدي تصور وأفكار كثيرة بالنسبة إلى الأمور التي أود القيام بها، لكن أفضل دراسة الموضوع بشكل معمق مع فريق عمل المركز قبل التحدث الى الإعلام».
فوجىء المكتب التربوي في التيار، كما جميع اللبنانيين، بنشر قرار نافذٍ لوزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب اليوم الإثنين في ٢٤ آب، ويقضي بإقالة مدير عام المركز التربوي للبحوث الدكتورة ندى عويجان، وهو مؤرّخ بتاريخ ١٠ آب، أي في اليوم الذي استقالت فيه الحكومة.
في ضوء هكذا قرار يشوبه كمٌّ من علامات الإستفهام والتعجّب، وشبهات تزوير والتفاف على القانون، يفرض المنطق طرح التساؤلات التالية:
أولاً، كيف يمكن للوزير المجذوب، وبعد استقالة الحكومة يوم ١٠ آب عند السابعة والنصف مساءً، أن يطلب في اليوم التالي من المديرية الادارية المشتركة في الوزارة، والتي تعطي قرارات الوزير أرقاماً تسلسلية، حجز عشرة أرقام تسلسلية ابتداءً من يوم ١٠ آب من الرقم ٣٤٣ إلى الرقم ٣٥٢، في مخالفة إدارية فاضحة وواضحة تنطوي على تزوير من قِبَل قاضٍ كان على قوس مجلس شورى الدولة! حتى اللحظة، لم يظهر للعلن سوى قرار واحد من أصل ١٠، والذي عيّن موعد التسلّم والتسليم في المركز التربوي يوم غد كي يستعجل إخفاء جريمته. من هنا، يطالب المكتب التربوي كل من التفتيش المركزي التحرك السريع للتحقيق في هذه الكارثة الإدارية المقترفة، كما يطالب المديرية العامة المشتركة بتوضيح حيثيات ما جرى!
ثانياً، هل يصدّق عاقل أن هكذا قرار ضخم بمضمونه، يبقى طيّ الكتمان لمدة اسبوعين من تاريخ تنظيمه، ولا يُنشَر إلا بعد أربعة عشر يوماً!؟ طبعاً لا، فما جرى هو تزوير مريع برسم النيابة العامة التمييزية، والأسوأ أنه حصل على يدَي من أقسم يمين القضاء على حراسة القانون والذود عن حقوق أبناء شعبه.
فاتن الحاج ـ الاخبار ــ مع إعلان موعد مبدئي لبدء العام الدراسي، اعتباراً من نهاية أيلول، بدا خيار اعتماد «التعليم المدمج» (يجمع بين التعليم الحضوري والتعليم «أونلاين») الأكثر ترجيحاً، وسط طغيان رغبة أساسية لدى كل مكونات العائلة التربوية (وزارة تربية والمركز التربوي وإدارات المدارس والمعلمين والأهالي) بعدم ضياع عام دراسيّ آخر. لكن الرغبة شيء والعمل على تأمين مقوّمات تحقيقها أمر آخر. فعلى صعيد التعليم الإلكتروني، تبرز تحدّيات الجاهزية التكنولوجية من موارد تربوية رقمية وبرامج ومنصّات وإنترنت وكهرباء، في حين لا تبدو العودة الآمنة صحياً بسبب جائحة كورونا التحدي الوحيد للتعليم الحضوري، لا سيما في المدارس الرسمية، مع غياب تأمين الكتاب المدرسي الوطني. كيف يستعدّ المركز التربوي للبحوث والإنماء ووزارة التربية لمواجهة التحديات في التعليم الإلكتروني والوجاهي على السواء؟ وهل يقوم الطرفان بمسؤولياتهما؟ وهل ستكون الحلول على قدر آمال التلامذة وأهاليهم؟
أقلّ من شهر يفصل عن موعد انطلاقة العام الدراسي الجديد، فيما لا تزال أزمة الكتاب تراوح مكانها، وإن كانت للمركز التربوي للبحوث والإنماء رؤيته واقتراحاته في هذا المجال التي رفعها إلى وزير التربية، بحسب رئيسة المركز بالتكليف (قبل إقالتها أمس) ندى عويجان. وفي تفاصيل الأزمة أنّ المركز أجرى مناقصة «تلزيم إنتاج وطباعة وتوزيع سلاسل الكتاب المدرسي الوطني» مرتين متتاليتين، من دون أن تسفر المناقصتان عن نتيجة إيجابية، بسبب تدنّي سعر الليرة مقابل الدولار. أما التوجّه إلى العقد بالتراضي الذي يسمح به نظام المناقصات في المركز، فلم يؤخذ به هو الآخر، بعدما تبين خلال الاجتماع مع ملتزمي المناقصة الأخيرة، مجتمعين، أنّ التزامهم إنتاج وطباعة وتوزيع سلاسل الكتاب المدرسي الوطني تستوجب شراء مواد أوليّة (مثل الورق والكرتون والحبر والتلزيق) لزوم طباعة هذا الكتاب، وكلّها مواد مستوردة من الخارج، أي مسعّرة بالدولار الأميركي، ما سيؤدّي إلى ارتفاع سعر الكتاب حوالى 10 أضعاف سعره الحالي (أي إن مجموع أسعار الكتب الذي كان يتراوح بين 10 آلاف و75 ألفاً بحسب الصف والفرع، سيتراوح بين 100 ألف و750 ألفاً ما عدا القرطاسية!). هكذا، ربط الملتزمون موافقتهم على التعاقد بالتراضي، كما قالت عويجان، إمّا بدعم الحكومة لمستلزمات المواد الأوليّة (لزوم طباعة الكتاب المدرسي الوطني) ضمن ما سُمّي بالسلّة الغذائيّة، أو زيادة سعر الكتاب نحو عشرة أضعاف، مشيرة إلى أنها أرسلت المحاضر والتقارير ذات الصلة إلى الوزير لتقرير المناسب.
ووفق عويجان، وضع المركز التربوي اقتراحاً تضمّن حلولاً استثنائية من أجل تسيير العام الدراسي بأقل الخسائر، وحدد لكلّ من هذه الحلول إيجابياتها وسلبياتها. فمن حسنات إبرام العقد بالتراضي تأمين الكتب في مطلع العام الدراسي، لكن زيادة سعر الكتاب نحو 10 أضعاف سيضع على عاتق أهالي التلامذة في المدرسة الرسمية أعباءً هائلة لن يقووا على سدادها. أضف إلى ذلك أن مصادر الشركات الملتزمة أوضحت لـ«الأخبار» أن طرح زيادة 10 أضعاف افتراضيّ وقد تكون الزيادة أكبر من ذلك. في المقابل، فإن دعم الكتاب يمكن أن يُبقي سعر الكتاب على ما هو عليه أو زيادته بنسبة مقبولة، إلا أنّه سيكون هناك تأخير بالتلزيم بسبب انتظار صدور قرار عن مجلس الوزراء يقضي بدعم الكتاب ومن ثم إجراء مناقصة جديدة. إلى ذلك، فإنّ وضع الكتب بصيغة الـ pdf على منصّة المركز التربوي DLI من شأنه أن يُسهم في إيصال محتوى الكتاب إلى التلامذة بسرعة مع المحافظة على الملكيّة الفكرية، لكن من سلبيّاته عدم التكافؤ في التوزيع لجهة توافر سرعة الإنترنت والأجهزة الإلكترونية اللازمة (كومبيوتر، جهاز لوحي، خليوي ...) لدى العديد من التلامذة والمعلّمين والأهل.
ومن الحلول الأساسية التي يطرحها المركز التربوي قيام مديري الثانويات والمدارس الرسمية (والخاصّة) باستعادة الكتب من التلامذة وإعادة توزيعها عليهم بحسب الصفوف، ما يؤمّن كمية من الكتب من دون نفقة ويضع الكتاب بين أيدي التلامذة في مطلع العام الدراسي. لكن من سلبيات هذا الإجراء أيضاً، وفق المركز، عدم تجاوب بعض التلامذة بإعادة الكتب، ما يعني تأمين الكتاب بصورة جزئية.
مع ذلك، رأى المركز أنّ هناك حلولاً داعمة منها أنّه يوجد لدى الملتزمين السابقين عدد محدود من عناوين الكتب يمكن شراؤها والاستعانة بها، كما يوجد في مستودع المركز التربوي عدد من عناوين الكتب «غير مخصّص للبيع» بكمية محدودة يمكن الاستعانة بها أيضاً حيث يلزم. ويوجد أيضاً في بعض المكتبات كميّات قليلة من الكتاب المدرسي الوطني.
الخيار الأنسب بالنسبة إلى المركز اعتماد أكثر من حلّ سويّاً بما يؤمّن إيصال محتوى الكتاب إلى الجميع من خلال تكافؤ التوزيع بين الكتاب الرقمي للذين يتوافر لديهم الانترنت والتجهيزات اللازمة، والورقي للذين لا يتوافر لديهم الإنترنت والتجهيزات اللازمة بأسرع وقت وبأقلّ كلفة ممكنة، آخذين في الاعتبار حسنات كلّ من هذه الحلول وسلبيّاته.
ورغم الاتصال مراراً بوزير التربية طارق المجذوب، لم تستطِع «الأخبار» الحصول على توجّهات الوزارة في ما يتعلق بتأمين مقوّمات «التعليم المدمج» سواء بالنسبة إلى الكتاب المدرسي أو الموارد التربوية الرقمية والمنصّة الإلكترونية والبرامج التي ستتبع وإمكانية تأمين الإنترنت مجّاناً للطلاب بالتنسيق مع وزارة الاتصالات و«أوجيرو»، وما إذا كانت الوزارة جاهزة لهذا التعاون. علماً أن الوزير أطلق نداء استغاثة للجهات المانحة لتأمين الأجهزة الإلكترونية لجميع الطلاب.
وكانت وزارة التربية أوكلت لمنظمة اليونسكو دور قيادة وتنسيق جهود جميع الأطراف (ممولّين، وكالات أمم متحدة، جهات رسمية وخاصة) لإعادة تأهيل المدارس المتضررة من انفجار مرفأ بيروت وإعادة فتحها بأسرع وقت لضمان استمرار التعليم. ونفى مدير مكتب اليونسكو الإقليمي في الدول العربية، حمد الهمامي، لـ «الأخبار» أن تكون التكلفة الإجمالية لعملية إعادة الإعمار/التأهيل، قد حُددت حتى الآن. وبالنسبة إلى آلية الدعم، أكد أن المساعدة ستصل مباشرة إلى الوزارة وتقوم اليونسكو بمراقبة عملية الإعمار. وفي حال لم يتم ترميم جميع المدارس قبل بداية العام الدراسي الجديد، و/أو تفشّى وباء كورونا أكثر، ستقوم اليونسكو، بحسب الهمامي، بمساعدة الوزارة وتعزيز قدراتها لتطوير برامج التعليم عن بُعد/عبر الإنترنت. ووفق الهمامي، ينقسم دعم اليونسكو إلى جزءين: جزء يهدف إلى تسهيل وصول جميع الطلاب إلى التعليم عن بعد، من خلال تقديم موادّ تعليمية رقمية مجانية وأدوات تعليمية للطلاب (أجهزة إلكترونية). والجزء الثاني يهدف إلى ضمان جودة التعليم عن بُعد من خلال تقديم الدعم التقني والفني لواضعي السياسات التربوية ومطوّري المناهج والمعلمين لتطوير برامج التعليم عن بُعد (تطوير برامج تعليمية مسرعّة).
في سياق متصل، أبدى المدير العام لهيئة «أوجيرو» عماد كريدية استعداد الهيئة لتقديم المساعدة التقنية خصوصاً من خلال توفير منصة «google classroom» (وهي منصة مجانية ولاستخدامها يجب فقط أن يكون للمستخدم حساب غوغل، ومن خلاله يمكن إنشاء عدة صفوف ودعوة الطلاب للانضمام ومشاركة الدروس والأنشطة والامتحانات عليها). كريدية أكد أن مشكلة سرعة الإنترنت ستحصل فقط في الأماكن البعيدة، مؤكّداً أنّ قرار تأمين الإنترنت للطلاب مجّاناً يتعلّق بوزير الاتصالات. وأوضح أن «التواصل حالياً مقطوع مع وزارة التربية، رغم أن اجتماعات عدة عُقدت في هذا الإطار. ولا نعرف ما إذا كانت الوزارة لا تزال مهتمة بالأمر، خصوصاً بعد استقالة الحكومة، في حين أنّ الملف لا يحتمل أيّ «استلشاء» ويجب أن يبقى على نار حامية، من أجل مستقبل التلامذة».
الأخبار ــ هل يحرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري اقتراح قانون «الدولار الطلابي»؟ وهل يقرّ المشروع في الجلسة التشريعية في غضون أسبوع كما طالبت جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج، أم أنه دُفن فعلاً بعد تعميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على المصارف بتخصيص 10 آلاف دولار لمن يملكون حسابات بالدولار الأميركي؟
في حسابات الجمعية، يكلّف إقرار اقتراح القانون المعجّل المكرر خزينة الدولة، 60 مليون دولار كحد أقصى، باعتبار أن عدد الطلاب اللبنانيين في الخارج لا يتجاوز 6 آلاف طالب. لكنهم لا يخفون تشاؤمهم من عدم التئام الجلسة التشريعية بصورة عاجلة في وقت بات «الوقت يداهمنا والجامعات بدأت تستقبل طلابها».
أمس، حطّ الأهالي رحالهم في قصر عين التينة بعد مسيرة على الأقدام من مستديرة الأونيسكو لتسليم رسالة مباشرة إلى بري، وكانوا يتمنّون أن يتسلّمها أحد السياسيين في فريق الرئيس وليس رجلاً أمنياً وعدهم خيراً باتجاه إقرار المشروع.
الجمعية اعتقدت أنّ الذهاب إلى الرئيس بري قد يكون آخر «خرطوشة» يمكن اللجوء إليها لإيجاد آلية سريعة لإقرار المشروع الذي تقدمت به كتلة الوفاء للمقاومة ويقضي بـ«إلزام مصرف لبنان بصرف عشرة آلاف دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي للدولار (1515ل.ل)». وقالت في بيان إنّ تعميم مصرف لبنان الأخير الذي حمل الرقم 13257، لم يلحَظ أن 95 في المئة من ذوي الطلاب، ليس لديهم حسابات مصرفية، وخصوصاً بالدولار، كما أن التعميم لم يشمل جميع الطلاب، بل الملتحقين في عام 2019، ما يمكن أن يمنع الطلاب الجدد من الالتحاق بالجامعات.
الجمعية سجّلت عتبها على وزير التربية الغائب كلياً عن هذا الملف وكذلك بالنسبة إلى الكتل السياسية التي قصدتها في وقت سابق ولم تحرّك ساكناً فيه حتى الآن.
فرح نصور ــ النهار ـ لم يكفَّ أهالي الطلاب الموجودين في الخارج من المطالبة بحقّهم في تحويل أقساط أولادهم من حساباتهم الخاصة بالدولار، وتطبيق الدولار الطلابي، أي اعتماد سعر صرف 1515 للتحويل من الليرة اللبنانية. فهم وأولادهم المغتربون عانوا الأمرّين منذ السنة الماضية وما زالوا. في آخر تعميمٍ أصدره مصرف لبنان في هذا الصدد، قرّر فيه إلزام المصارف بالسماح للمودعين بتحويل أقساط أولادهم بالدولار إلى الخارج. لكن مصرف لبنان لم يفلح هذه المرة أيضاً، إذ جاء هذا التعميم مجحفاً وناقصاً. نشرح الأسباب في هذا الموضوع.
"مشكلة الدولار كسرت ظهرنا"، هكذا عبّرت غادة سلمى عمّا تعانيه حالياً في أوكرانيا، حيث تدرس الطب العام. قضت الصيف خارج لبنان بعيدةً من ذويها آملةً حلّ مشكلة التحويلات أولاً، وصرف الليرة اللبنانية إلى الدولار لتحويلها ثانية. فأبوها يقبض مرتّبه بالليرة اللبنانية: "عندما كان سعر الدولار 1515 كان أبي قادراً على تغطية قسط جامعتي، لكن مع ارتفاع الدولار أصبح ذلك مستحيلاً". على غادة أن تدفع قسط جامعتها قبل بداية العام الدراسي في 1 أيلول، أي بعد 7 أيام، لكنّها فقدت الأمل في إيجاد أيّ حلّ في غضون هذه الأيام القليلة المتبقّية، فمصير تعليمها مهدّد بالتوقّف، وجامعتها فرضت ضريبةً لكلّ يوم تأخير على دفع القسط.
بعد سلسلة تحركات قام بها أهالي الطلاب في الخارج، وآخرها اعتصام نفّذوه أمام مصرف لبنان نهار 17 آب الجاري، وبعد طلب الأهالي المتمثّلين بالجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية (لجنة أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج سابقاً)، مقابلة حاكم مصرف، استجاب لمطلبهم، إلّا أنّ ما تمّ الاتفاق عليه لم يرد في التعميم الذي صدر عن المصرف المركزي في 19 آب الجاري، أي بعد يومين فقط على اللقاء.
أسعد الظاهر، عضو الهيئة التأسيسية للجمعية، كان في وفد الجمعية الذي قابل الحاكم. شرح الوفد للحاكم الحاجات الملحّة إلى إيجاد حلول للطلاب في الخارج، وأوضح له أنّ أي خطوة سيقوم بها المصرف للحلّ سيكون متّفقاً عليها من الناحية السياسية، فالجمعية قامت باتصالات مع جميع الكتل السياسية، وهذه الأخيرة أكّدت على وقوفها إلى جانب أهالي الطلاب. وقد اتّفق سلامة ووفد الجمعية على البنود التالية:
- تحديد سقف التحويلات بـ10 آلاف دولار من الحسابات بالدولار.
- السماح لأصحاب الحسابات بالليرة اللبنانية أو مَن لديهم كتل نقدية بتصريفها على سعر 1515 ليرة للدولار .
- السماح لمَن لا يمتلك أية حسابات مصرفية، بتصريف أمواله لدى الصرافين على سعر صرف 3900 للدولار، مع وضع سقف 10 آلاف دولار للتصريف.
"تفاجأنا أنّ ما اتفقنا عليه مع الحاكم لم يُذكر في التعميم باستثناء بندٍ واحدٍ، وهو وضع سقف 10 آلاف دولار للتحويلات من الحسابات بالدولار، فهذا التعميم لم يطاول جميع شرائح الأهالي، ولا يفيد أحداً إلا قلّة قليلة، وحوالي 10 آلاف طالب في الخارج مصيرهم مهدّد بالضياع، والجمعية حالياً بصدد دراسة خطوات تصعيدية مع اقتراب بداية العام الدراسي"، وفق الظاهر.
لكن لماذا يُعدّ هذا التعميم مجحفاً؟
يجيب الدكتور ربيع كنج، أمين سر الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية، معتبراً أنّ هذا التعميم مجحف بحق نسبة كبيرة من الطلاب، لأنّ المستفيد الوحيد منه هم أهالي الطلاب الذين يمتلكون حساباتٍ بالدولار، شرط ألّا يتعدّى سقف التحويل 10 آلاف دولار سنوياً.
أمّا الباقون من الأهالي الذين يمتلكون حساباتٍ بالليرة اللبنانية، أو مَن يقبض راتبه بالليرة اللبنانية ويُضطر إلى أن يصرف أمواله عبر الصرافين وشركات تحويل الأموال لإرسالها لابنه، أو مَن وطّن حسابه في المصرف بالليرة اللبنانية، هؤلاء جميعهم غير مستفيدين من التعميم، وبالتالي، مشكلتهم ما زالت قائمة.
بالإضافة إلى أنّ التعميم ألزم المصارف بسقف تحويلات قيمته 10 آلاف دولار في السنة للطالب، أي أنّ مَن قسطه أكثر من هذا المبلغ، هو أيضاً مُبعدٌ من التعميم. ناهيك عن أنّ كلّ طالبٍ ينوي الدراسة في الخارج هذا العام أي 2020-2021 هو أيضاً غير مشمول في هذا التعميم. ووفق كنج، فإنّ المصارف لا تلتزم بتعميمات مصرف لبنان، فهي ليست المرة الأولى التي يُصدر فيها المصرف تعميماً ولا تلتزم المصارف به. فكنج هو واحد من ذوي الطلاب في الخارج. وبعد تكرارِ تجربته في المصرف الذي يتعامل معه لتحويل نصف قسطٍ لابنه في الولايات المتحدة الأميركية، لم يصِل إلى نتيجة، فما كان منه إلّا أن لجأ إلى القضاء رافعاً دعوة قضائية على المصرف.
سؤالٌ آخر يُطرح في هذا الإطار: هل تعميمات مصرف لبنان ملزِمة للمصارف؟
بشكلٍ عام، التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان للمصارف هي ملزِمة. لكنّ مضمون التعميم يخاطب أحياناً إمكانات المصارف وسياساتها، فيعطي التعميم خيارات للمصارف لا تلزمها تطبيق بنود التعميم. ويرتبط ذلك بصيغة نصّ التعميم، إذا ما كانت أحكاماً مكمِّلة (جوازية) أم وجوبية، وفق رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي بول مرقص. وفي ما يتعلق بالتعميم الأخير الصادر عن مصرف لبنان، والقاضي بتحويل الأقساط للطلاب اللبنانيين في الخارج، فيُظهر قاعدة نظامية آمرة (règle impérative)، وذلك لوجود كلمة "على المصارف"، أي ملزِمة بمضمونها للمصارف تحت رقابة لجنة الرقابة على المصارف، وفق مرقص.
الجمعية الخيرية العمومية الارمنية أعفت تلاميذ مدارسها من الأقساط
وطنية - أعلنت الجمعية الخيرية العمومية الارمنية (AGBU) في بيان، أنها" تنازلت عن الأقساط المدرسية لجميع التلاميذ الذين أتمّوا السنة الدراسية 2019-2020 في مدارسها ويرغبون بالاستمرار فيها خلال السنة الدراسية المقبلة".
وأوضحت أن إعفاء التلاميذ من دفع الأقساط "تدبير استثنائي" اتُخذ "في ضوء الصعوبات المعيشية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية العامة وتلك المرتبطة بجائحة كوفيد-19".
الجامعة اللبنانية:
تعديل موعد مباراة الدخول إلى السنة المنهجية الأولى – ترجمة في مركز اللغات والترجمة للعام الجامعي
عطفاً على الإعلان السابق بتاريخ 12/05/2020، يعلن مركز اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية عن تعديل موعد مباراة الدخول إلى السنة المنهجية الأولى – ترجمة وذلك وفقا للبرنامج التالي:
برنامج المباراة :
الثلاثاء 08/09/2020 من الساعة 9:00 الى الساعة 11:00 لغة عربية:
من الساعة 11.30 الى الساعة 13.30 لغة فرنسية
الاربعاء 09/09/2020 من الساعة 9.00 الى الساعة 11.00 لغة انكليزية
بيروت في 24/8/2020 مديرة مركز اللغات والترجمة د. جيزال الرياشي
تعديل تاريخ مباراة الدخول وتمديد مهلة تقديم الطلبات الى السنة الأولى إجازة في كلية العلوم الاقتصادية وادارة الاعمال للعام الجامعي 2020-2021
يعلن عميد كلية العلوم الاقتصادية وادارة الأعمال في الجامعة اللبنانية البروفسور سليم المقدسي الآتي:
- اجراء مباراة الدخول الى الكلية للسنة الأولى إجازة (اختصاص العلوم الاقتصادية، واختصاص ادارة الأعمال، فرنسي/انكليزي) للعام الجامعي ٢٠٢٠-٢٠٢١، يوم السبت الواقع في 19 ايلول 2020.
- تمدد مهلة تقديم الطلبات الكترونياً للاشتراك بالمباراة على الموقع الالكتروني gestion1.ul.edu.lb/entrance لغاية يوم الجمعة الواقع في 11 ايلول 2020؛
يتم تحميل ملف واحد PDF مع الطلب. يتضمن هذا الملف نسخة عن المستندات المطلوبة الآتية:
· اخراج قيد افرادي حديث أو صورة مصدّقة عنه من مأمور النفوس، أو جواز السفر أو الاقامة للأجانب.
· افادة الصف الثالث ثانوي مصدّقة وفق الأصول من المنطقة التربوية المعنية أو وزارة التربية أو صورة مصدقة عن الثانوية العامة (البكالوريا القسم الثاني أو ما يعادلها).
- يستكمل الطالب تسجيله عبر:
· الحضور الى الفرع الذي اختاره المرشح بين فروع الكلية الستة (الحدث – الاشرفية – طرابلس – عاليه – النبطية – راشيا)، في مهلة اقصاها الجمعة في 11 ايلول 2020 ويُحضِر معه المستندات التالية:
§ صورتان شمسيتان مصدّقتان من المختار ومطابقتان للصورة الشمسية الموجودة على اخراج القيد الافرادي.
§ طابع مالي بقيمة /١٠٠٠/ل.ل.
· يستلم المرشح ايصال تسديد الرسوم، الصادر عن قسم شؤون الطلاب في الفرع
· يسدد الطالب رسم الاشتراك /٣٥٠٠٠/ ل.ل. خمسة وثلاثون ألف ليرة لبنانية في مراكز LibanPost بعد تسليمهم إيصال تسديد الرسوم.
الحدث في 24/8/2020 عميد كلية العلوم الاقتصادية وادارة الاعمال سليم المقدسي
وبعدما رمت قوةُ الاصطدام الشابَ أرضاً عن دراجته التي تحطم مقدمها، تحلّق سريعاً حولنا حوالى 15 شاباً وفتى من أمثال الشاب في زقاق البلاط.
وأنا من أعلم ما تفعله زمر فتيان هذا السلاح منذ سنوات في المدينة، كان عليّ أن أسعى مرغماً وجاهداً لإيجاد وسيلة أو سبيل ما، يفكُّ أسري من اغتنام الزمرةِ الحادثةَ ذريعةً لاسترسال شبانها في "السّلْبطة" والتسلط عليّ. فهم تعودوا على ذلك وجعلوه عملهم ومهنتهم في الشوارع، مستقوين بالمنظمتين الحزبيتين اللتين جمعتا شملهم ونظمتاهم، وتستعملانهم، كلما شاءتا ترويع الأحياء السكنية وأهلها، والجماعات والمجموعات المعترضة على الحكم وسياساته في لبنان.
والمنظمتان إياهما تعدّان من لا يسبّح باسم "المقاومة" وحزبها وسيّدها ورئيس المنظمة الأخرى ثنائيتها، يمجدّهم ويدين لهم بالولاء والطاعة، ليس سوى متآمر وعدو يتوجب قصاصه والاقتصاص منه ميدانياً. وتعوّدت قيادة المنظمتين على اعتبار كل ما تقوم به هذه الزمر من هجمات وهرجات واعتداءات، ردَّ فعل عادي وطبيعي، أو فورة غضب شعبي أو جماهيري يصدر عمن سماهم سيّد "المقاومة" ومرشدها أشرف الناس واتقاهم وأطهرهم في الخلق وبين العالمين.
الجامعة وطائفيّة ما بعد حرب السنتين
وكنتُ قد شهدتُ وعشتُ فصولاً كثيرة، قديمة ومتجددة ومتعاقبة، من تكوّن الهوية الجديدة للمنظمتين الشيعيتين، تقلبها وتصلّبها في أوقاتٍ وظروف وأحياء ومواقع متباعدة ومتداخلة، طوال سني الحروب (1975-1990) وبعدها.
ففي أثناء جولات حرب السنتين (1975 - 1976)، انتظم الشبان والطلاب الشيعة في الشياح (مهد الحرب الأهلية الأول)، وسواها من أحياء ضاحية بيروت الجنوبية، في منظمات الحرب اليسارية اللبنانية والفلسطينية. وفي نهاية تلك الجولات ومنعطفها (دخول الجيش السوري إلى بيروت، تحت ما سمي قوات الردع العربية)، بدأتْ تتقطّع إقامتي وصلتي مع بعض أبناء جيلي الشاب آنذاك، بالشياح وبفصول حروبها الأهلية مع عين الرمانة. وقد تزامن ذلك مع مباشرة جيل شيعي شاب جديد انخراطه في حروب الشياح وسواها من الأحياء والمناطق، منتمياً إلى "حركة المحرومين - أفواج المقاومة اللبنانية" المتديّنة تديّناً أهلياً طائفياً، بعدما "غُيّبَ" مؤسسها وإمامها موسى الصدر، وأمعنت في ولائها الكامل للقيادة السورية الأسدية، وبدأت تتملل من سيطرة المنظمات الفلسطينية واليسارية اللبنانية وتشتبك معها في بلدات جنوب لبنان وأحياء الضاحية الجنوبية.
أما نحن شلة الطلاب اليساريين القانطين واليائسين من اليسارية وحروبها الفلسطينية، فقد التقينا طلاباً في معهد العلوم الاجتماعية التابع للجامعة اللبنانية التي بدأت تنقسم كلياتها فروعاً، حسب المناطق الطائفية التي تباعدت وصارت الطرق بينها خطوط تماس وجبهات حربية. وبعدما دخلت وحدات الجيش السوري الأسدي إلى لبنان بذريعة إيقاف الحرب، سرعان ما تجددت الحرب، وانتقلت المنظمات اليسارية اللبنانية من ولائها الحربي للقيادة الفلسطينية التي كانت تمولها، إلى موالاة القيادة السورية وإمرتها.
ومعهد العلوم الاجتماعية الذي كان قبل الحرب - مثل سائر كليات الجامعة اللبنانية - واحداً موحداً في منطقة الأونيسكو ببيروت، ويلتقي فيه طلاب من جهات لبنان كلها ويتعارفون، نُقِل ما صار فرعه الأول في بيروت الغربية إلى بناية سكنية في أعالي منطقة الروشة المتصلة بساقية الجنزير. وسيطرت عليه، طلاباً وهيئة تدريس وإدارة، مذاهب ومنظمات يسارية وعروبية، متنابذة ومتشاحنة ويتربّص كل منها بالأخرى. وأُنشئت في بيروت الشرقية فروع ثانية لكليات ومعاهد الجامعة، وربما سيطر عليها ما كان يسمى "اليمين المسيحي" آنذاك.
وهكذا تحولت الجامعة اللبنانية وسواها من الجامعات الخاصة في لبنان، جامعات راحت تهيمن عليها هويات ومنظمات وأجهزة أهلية وطائفية، حسب المناطق والأحياء.
من اليسار العروبي إلى الخمينيّة
وما بين العام 1977 والعام 1981، كان قنوطُنا ويأسنا من الحرب والطوبى والتهاويم اليسارية التي تمزقت، هما ما جمع شمل شلتنا في المعهد الجامعي. وهي طوبى وتهاويم كانت قد خلطت اليسارية بعروبة قديمة، جدَّدها في عشيات الحرب الأهلية الهيامُ بعروبة الفدائيين الفلسطينيين الشعبوية ومنظماتهم المسلحة.
وفي أثناء الثورة الإيرانية التي تصدرها آية الله الخميني، الذي عاد من باريس إلى طهران بعد انتصار ثورته سنة 1979، كانت سهرات شجن شلتنا اليساري والعروبي شبه الصوفي، تلتئم في منزل أحدنا بالخندق الغميق، وكان أهله قد هجروه عائدين للإقامة في قريتهم الجنوبية. وكان في الشلة منشدٌ يؤدي بصوته الرائق الرخيم أغاني الشيخ إمام وأم كلثوم ومحمد عبد المطلب، ومعروف في أوساط الشلل اليسارية في فروع بيروت الغربية لكليات الجامعة اللبنانية وفي الجامعة الأميركية أيضاً. وفي تلك السهرات شبه الذكورية، المتصوفة الهائمة بأطياف فتيات زميلات في الجامعة، كان يستخفنا طرب الشيخ إمام الثوري، مثل الطرب التراثي القديم المستعاد بإشراقةٍ صوفية، فيسكرنا النوعان مع كؤوس الويسكي أو النبيذ.
أما في النهارات فكانت تطربنا "آيات الله (التي) تنهال على الإمبريالية" في بدايات الثورة الإيرانية الخمينية، من عناوين الصحيفة البيروتية التي انتقلت من عروبية قذافيّة، إلى فلسطينية، فسورية أسدية، ثم صداميّة عابرة، على التوالي، حتى حطّت رحالها إخيراً في خمينيّة حزب الله الشيعية "المقاومة"، قبل أن تتوقف عن الصدور مع انهيار الصحافة الورقية، وبعدما لم يجد صاحبها من يضيف بعض مئات ألوف الدولارات إلى ثروته.
وكانت الصحيفة إياها قد طالعتنا مرة بقصيدة "وجهك يا غرب مات" لشاعر "العصف الجميل" الذي "جاء" من دون أن "يأتي الخراب الجميل" المنتظر. وهذا قبل أن يكتشف بعضُنا لاحقاً أن ذلك الخراب ليس سوى قيام الساعة مع عودة المهدي المنتظر، "مالئ الأرضَ عدلاً، بعدما مُلئت جوراً". ولم يكن خميني إيران المقطِّب، العابس المتجهم، سوى ظله أو بشيره على هذه الأرض. أما الشاعر ذاك، مادح ثورة التشيّع الخميني، فنفر من ثورة الشعب السوري على أحد أشرس طاغيتين في الشرق الأوسط ودنيا العرب، واعتبرها "رجعية"، لأن تظاهراتها راحت تخرج من المساجد السورية بعد صلاة نهارات الجمعة.
الأنبياء – السماسرة
وفي قاعات المحاضرات الجامعية في معهد العلوم الاجتماعية وفي الكافيتريا، في نهايات السبعينات ومطلع الثمانينات، كان الدكاترة والطلاب المتحدرين معاً من أحزاب وتيارات يسارية وشيوعية، منقسمين شللاً متنابذة، ويتداولون في شللهم الأفكارَ والموضوعات والكلمات والأهواء الأيديولوجية المتنابذة. وكل منضوٍ في تلك الشلل، أكان دكتوراً مدرساً أم طالباً سائراً على طريق الدكترة ومعارجها المرتقبة، كان يتصور ويتصرف أنه نبي أيديولوجي كبير أو صغير أو متوسط، ويكادُ أن يكون "بين الله والأرض كلام" (سعيد عقل).
ودخل مرة إلى قاعة التدريس دكتور شاب، كان في منظمة يسارية عندما كان بيت أهله في زقاق البلاط، وعاد حديثاً من باريس حاملاً شهادة في علم النفس الإعلامي، وبدأ محاضرته الأولى عن "الإعلام في الإسلام"، فقال إن المسلمين القدماء كانوا يستخدمون إشعال النيران والحمام الزاجل وسائل إعلامية للتواصل فيما بينهم. وبعد مدة قصيرة أسّس هذا الدكتور مركزاً للدراسات والأبحاث الإعلامية "الزاجلة" والببغائية بين بيروت وطهران. ولم يكن ذاك المركز إلا واحداً من عشراتٍ تكاثرت كالفطر مذّاك وحتى اليوم، وكثرة منها يقتصر نشاطُها على شخصٍ واحد مرتزق يُسمي نفسه مديراً لمركز مفترض، وتستضيفه محطة "المنار" التلفزيونية وسواها من المحطات اللبنانية، مشاركاً مداوماً في البروباغندا الإعلامية وزجلياتها اليومية السائرة.
دكتور شاب آخر في معهدنا الجامعي للاجتماعيات في ثمانينات لبنان الكالحة المظلمة، استمر طوال أكثر من سنة ينشر في صحيفة لبنانية ليبرالية مقالاته الهذيانية عمّا سماه "المعيش" السوسيوثقافي بين مثلث الأمة الاسلامية المقدس: قم والنجف وجبل عامل. وكانت تتردد في هذياناته تلك أصداء لهاث فتوته الصاخبة كلاعب كرة قدم في بُوَرٍ (قطع أرض بائرة) في أحياء ضاحية بيروت الجنوبية، أو في الخندق الغميق والبسطا التحتا.
وفي الصحيفة الليبرالية إياها كان معلق سياسي أساسي من صحافيي "قالت المصادر"، ينشر مطولاته اليومية ويستهلها بما قاله "المرجع الإسلامي الشيعي الأبرز في لبنان"، الذي كان يتلو آياته البيّنات من مسجد في بئر العبد، وتحلقت حوله في مجالسه النواة الأولى للإسلام الشيعي الأصولي التي تشرنقت فيها بعض خلايا حزب الله الأولى. وكانت تضم بعضاً ممن كانوا مثلنا "رفاقاً" يساريين نعرفهم ويعرفوننا في حرب السنتين، شأن بعض دكاترة الجامعة المبتدئين آنذاك. كان هؤلاء على خلافنا نحن شلة الطرب والإشراق الصوفي واليأس من اليسارية والحرب: توسلوا الهوية الدينية، الشيعية والطائفية الشعبوية الجديدة المولودة من رحم الحرب، جواباً على شغفهم المقيم بتسلق المراتب الدنيوية من طريق السلاح والحرب. فصوروا ذلك، أو صُوِّرَ لهم ذلك، بأنه نور قذفه الله في صدورهم ووعدهم بخلاص شعبوي، حسيني وكربلائي قيامي.
حجيج مجالس الحكماء
عشرات من دكاترة معهدنا وسواه في كليات الجامعة اللبنانية، وغيرهم من الطلاب السائرين على طريق الدكترة، ولفيف من الصحافيين والمثقفين وفناني المسرح، وكلهم من خريجي منظمات اليسار الجديد والكفاح الفلسطيني المسلح، أرشدتهم الماوية ومشتقاتها إلى "طريق الشعب" الحسيني الخلاصي ذاك. فاكتشفوا إسلاميتهم الخمينية في معمعة النصف الثاني من الثمانينات اللبنانية وحروبها المتناسلة، بعدما هجّر الجيش الإسرائيلي المنظمات الفلسطينية المسلحة من بيروت.
بتوقيت بيروت